عندما تحجب الرجعية مسار الحداثة / الولي ولد سيدي هيبه

جمعة, 2015-03-27 16:00

إنه لمن ما يثير استغراب العديد من المراقبين و الاقتصاديين و المستثمرين حالةُ الشلل المزمنة التي يعانيها هذا البلد المشكل لعمقي "المغرب العربي" و "الغرب الإفريقي" و المطل على العالم النشط من خلال بوابة المحيط الأطلسي الجامع حركة المحيطين "الهادئ" و "الهندي"،

و يملك كل مقدرات الدنيا من مصادر المواد الأولية التي تقوم عليها حركة الصناعة العالمية منذ بداية الثورة الصناعية و دخول المكننة في القرن الثامن عشر؛ خامات الحديد و النحاس و الذهب و اليورانيوم و الجبس و غيرها من بترول و غاز بحرا و برا و من أراض زراعية خصبة على ضفة نهر معطاء و ثروة حيوانية متنوعة هائلة و مئات واحات النخيل المؤهلة لزراعة الحبوب و الخضروات تحت ظلالها و في سفوح جبالها و مخزونات من المياه الجوفية الهائلة و من الرياح و الشمس بما تشتهي صناعات الطاقة الكهربائية الجديدة.كما يثير حيرة هؤلاء المراقبين و الاقتصاديين و المستثمرين  ما يكون من اقتات أطر البلاد و قادتها و مثقفيها و رجال أعمالها و عامليها و عامة أهلها في قاعدة الهرم، بنهم شديد على حمية الجاهلية و تدثرهم فرادى و جماعات بظلمها و جورها و ريائها و نفاقها و تعمد نهبها و سلبها لكل موقف من ذلك و تبرير لحالته و لبوسه يعتمد رمي عبء كل ذلك "متناسيا" جورا و تحريفا على كاهل دين العدل و السماحة و بناء النفس السوية و البلد الآمن إن اتبع عملا لا قولا.و يعيش البلد هذه الوضعية البائسة من التخلف و البؤس المادي و الاجتماعي – و بوجه آخر مؤلم و هو الزاخر في تناقض فاضح بطاقات بشرية متعلمة و مكونة في كل المجالات العلمية و التقنية و متخرجة في أرقى الجامعات و المعاهد حول العالم - في نفس الوقت الذي تجاوزت فيه معظم الدول النامية المنتمية اصطلاحا إلى ما عرف ردحا من الزمن بـ"العالم الثالث" و التي لا تنتمي إلى العالمين الأول و الثاني، أو الدول النامية أو "المستنمية" التي تتسم بمعيار منخفض لمستوى المعيشة و قاعدة صناعية متخلفة و تحتل مرتبة منخفضة في مؤشر التنمية البشرية مقارنة بدول أخرى، جدلية التخلف و البعد عن امتلاك وسائل التنمية من خلال خلق إطار صناعي يستجيب لمتطلبات القطعية و يشغل مواطنيه سبيلا إلى تمكينهم من الخروج عن دائرة الفقر و التخلف؛ جدلية غذتها:-          إرادة الشعوب لتخطي عقدة النقص من ناحية المقيدة نفسيا و عمليا،-          و إرادة القوى الصناعية الاستعمارية المتقدمة في إبقاء هذه الدول و شعوبها في دوامة عقدها من خلال الإسراع بالخطى في مجال التطور التكنولوجي و تعقيد علومه و وسائله و ابتكاراته و تسارع  مراحل التنمية و التجاوز بها إلى مراحل أكثر تطورا.كما ادركت معظم هذه الدول بوعي شعوبها ضرورة الاهتمام بمشاكل التنمية الاقتصادية الذي يستهدف الارتفاع السريع بمعدل نمو الناتج الوطني تركيز التحليل الاقتصادي حول معدل تراكم رأس المال المادي أي المتغير الاستراتيجي المهيمن في تحقيق هدف التنمية والذي يتمثل في الإنفاق الاستثماري الضخم و أنه إذا نجحت البلاد النامية في توفير أكبر حجم ممكن من الموارد الادخارية واستثمارها في بناء طاقات إنتاجية صناعية سوف تكسر حواجز التخلف وتنطلق في التقدم الاقتصادي وذلك أسوة بما فعلته الدول الصناعية المتقدمة. كما سعت في السياق ذاته إلى إعطاء الأولوية للتنمية الصناعية على أساس أن البلد المتخلف يعني قبل كل شيء الوضع المتخلف للصناعة فيه.و بالنتيجة لكل ذلك فإنه لا بد للقضاء على التخلف الاقتصادي لقيام التصنيع من خلال الاستفادة من أحدث الوسائل التكنولوجية الذي يمكن تطوير أحدث أنشطة الاقتصاد الوطني ويحقق انطلاقته الذاتية في مسيرة التقدم الاقتصادي والاجتماعي بالقضاء على البطالة ورفع المستوى المعيشي والثقافي لأفراد المجتمع .ولم يكن الاختلاف على أولوية التصنيع بل كان الاختلاف على طبيعة الصناعات التي يتعين التركيز على إنشائها .و فيما رأى البعض إعطاء أولوية البدء في القيام باستثمارات البنية الهيكلية ولقطاع الصناعات الاستهلاكية الخفيفة وهو نمط النمو الصناعي الذي سلكته الدول الصناعية رأى البعض الآخر إعطاء الأولوية لصناعات السلع الوسيطة والثقيلة – الحديد والصلب مثلا – ولصناعة الآلات والمعدات والذي يسمى " بالنموذج الروسي للتصنيع ".و مهما يكن فإن أيا من النموذجين إن صاحبته سياسة وطنية متماسكة التخطيط و أطرته "حكامة رشيدة" لا بد أن تبرز نتائج تشكل منطلقا قابلا للتطوير و التصحيح و التوجيه حسب مقتضيات كل مرحلة و متطلبات التنمية الملحة. و هما النموذجان اللذان و إن أثبتا في الكثير من الدول نجاعتهما إلا أنهما ليسا الوحيدين، فالعلوم الاقتصادية و نظرياتها قد تطورت كثيرا و أفرزت من النماذج العديد التي أسهمت في انتشار التكنولوجيا الصناعية في كل أصقاع المعمورة حتى باتت الصناعة التحويلية القاعدية في صميم اهتمامات كل البلدان النامية إلا التي تحكمها عوامل الفساد و غياب الرؤى الصناعية الثاقبة و الوازع الوطني.و اللافت المحير بقوة هو غياب أبجديات الصناعية في البلد المستقل منذ نصف قرن يزيد سنين فيما استطاع العديد من الدول حوله و منها الواقعة في الجوار الملامس و بعضها أقل منه موارد بل إنها معدومة في فيها، بتضافر جهد "حكاماتها الرشيدة" و إرادة و نوايا رجال أعمالها الوطنيين و اقتصادييها و مخططيها الفاعلين، و توجيه سياسييها المعتمد الخطاب العلمي الرصين، و استعداد شعوبها لنبذ الكسل و الاتكالية و الدخول في دائرة العمل المجدي و البناء، أن تشيد صروحا صناعية قاعدية مكينة لتنتقل بها لاحقا من مرحلة إلى أخرى سعيا حثيثا إلى خلق قاعدة صناعية متوسطة فثقيلة كما هو الحال في آسيا و أمريكا اللاتينية و جنوب إفريقيا و المغرب و نيجيريا و غيرها من البلدان التي عزمت و أصرت فنجحت.