
اعتبر المحامي الدولي؛ جمال ولد محمد الطالب، أن تعامل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؛ دونالد ترامب، مؤخرا في البيت الأبيض، مع خمسة من قادة دول إفريقيا جاؤوا اتلبية لدعوة رسمية منه، أظهر أن "الأدب والرقة قد لا يكون لهم مكان في قاموس أسياد هذا العالم في حين تمثل السيطرة على النفس وعدم الانفعال سلاحا حاسما".
وأوضح ولد محمد الطالب، في مقال تحليلي نشرته صحيفة Le Figaro (لوفيغارو) الفرنسية، و ترجمته وكالة " موريتانيا اليوم" أن هذا الحدث الذي كان من المنتظر أن يعزز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الإفريقية المتاخمة للصحراء (موريتانيا، الغابون، غينيا بيساو، ليبيريا والسنغال) "أثار زوبعة من التعليقات، ليس على مضمون المحادثات –الذي لم يتسرب منه إلا القليل-ولكن حول الشكل، أو على الأصح، غياب كل مظاهر الدبلوماسية، وتم تداول الصورة عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي".
وخلص الكاتب إلى أن "حادثة البيت الأبيض علمتنا أن الأدب والرقة قد لا يكون لهم مكان في قاموس أسياد هذا العالم في حين تمثل السيطرة على النفس وعدم الانفعال سلاحا حاسما"؛ لافتا إلى أن "اترامب كما هي العادة لم يحد عن سيرته، وعلى الأفارقة ـ مستقبلا ـ أن يحولوا عجرفته إلى رافعة من أجل إعادة تموقعهم في الساحة الدولية".
نص المقال :
اترامب وإفريقيا الدبلوماسية في وجه عدم الكياسة
خمسة رؤساء لدول إفريقية حضروا تلبية لدعوة من الرئيس الأمريكي دونالد اترامب، دعوة منظمة داخل البيت الأبيض حضر كل من رئيس ليبريا الرئيس الموريتاني الرئيس السنغالي رئيس غينيا بيساو رئيس الغابون.إن هذا الحدث الذي كان من المنتظر أن يعزز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الإفريقية المتاخمة للصحراء أثار زوبعة من التعليقات، لم تكن تلك التعليقات حول مضمون المحادثات –الذي لم يتسرب منه إلا القليل- ولكن حول الشكل أو على الأصح الغياب لكل مظاهر الدبلوماسية، تم تداول الصورة على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، ظهر دونالد اترامب جالسا خلف مكتبه البيضاوي ومن حوله خمسة رؤساء أفارقة في هيئة متحجرة خلافا لما تنص عليه قواعد التشريفات، هيئة توحي دبلوماسيا برمزية خاصة، ينضاف إلى هذا كله بعض الحركات والعبارات التي أذهلت المشاهد: التعليق على تمكن رئيس ليبيريا من اللغة الانجليزية التي هي اللغة الرسمية لبلده منذ سنة 1847، المقاطعة غير المتوقعة للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أثناء خطابه، رأى البعض في هذا المشهد نوعا من الإهانة واستنكر ردة الفعل الهادئة بل الوديعة للرؤساء الأفارقة وكما هو متوقع انهالت من كل صوب تعاليق الاستهجان والتنديد بسرعة الاستجابة لدعوة سيد العالم وغياب صورة العز والإباء الإفريقيين.غير أن كل هذه الانتقادات لم تأخذ بعين الاعتبار عنصرا أساسيا وهو أن كل هذه التجاوزات تقع على عاتق صاحب الدعوة وهذا الرجل غير النمطي والخارج على كل الأعراف تعمد فرض أسلوبه العنيف الشاذ والمغيظ.ترامب ليس دبلوماسيا ويعتمد في علاقاته دبلوماسية ميزان القوة، إنه يمارس السلطة بنفسية رجل الأعمال: فهو صريح، ميال إلى التسويات لا يتقيد بالأعراف، بل يعتبرها معيقات تحد من فاعلية سياساته.
إنهذا يعتبر صادما حتى داخل الدوائر الأكثر تمرسا لقد شاهدنا نفس التصرف في قمة الحلف الأطلسي وقمة السبع حيث أبهت محاوريه بعباراته وتصرفاته الوقحة، إننا ما زلنا نتذكر مشهد 28 فبراير 2025 مع "فلاديمير زيلنسكي" داخل المكتب البيضاوي حيث قاطعه أمام الجمهور وعاتبه مشهرا بتشدده وعدم عرفانه بالجميل للولايات المتحدة الأمريكية وأنهى المؤتمر الصحفي المعقود من دون بيان مشترك.وتكرر نفس السيناريو مع "سيريل رامافوز" حيث قدم له استفسارا حول ما تم من تجاوزات في حق المزارعين البيض في جنوب إفريقيا وألزمه بالرد عليه. ولم يسلم المستشار الألماني من بعض النقرات الساخرة.
أما "ماكرون" حليفه فقد عاتبه أثناء جلسات قمة السبع قائلا: "إنك كثير الأغلاط ولربما تعمدت بعضها للفت الانتباه"، كل هذه الوقائع تشهد على أن أسلوب "اترامب" أسلوب عنيف، متعال وغير دبلوماسي.هل كان إذن من المنتظر أن يواجه القادة الأفارقة بمرونة أكبر؟ طبعا لا.
إن في هذه الرعونة المشهودة رسالة ضمنية يتعين على البلاد الإفريقية تلقيها بجدية، إنها لا تنم فقط عن سوء تربية ولكن تشير إلى تغير جديد أكثر عمقا: إنها تدشن إعادة ترتيب جديد للعلاقات بين الشمال والجنوب.إن الولايات المتحدة (وبشكل أوسع القوى العظمى) أصبحت تجاهر باختيارها لعلاقات مبنية على المصالح الصرفة ولا تخفي عدم التزامها باللياقة الدبلوماسية كلما كان ذلك يخدم أجندتها الاستراتيجية.
و في هذا السياق، أصبح من المفروض على الدول الإفريقية مراجعة سياساتها.لم يعد من الوارد اليوم فصاعدا التوسل من أجل الحصول على مقابلة أو تلمس إشارة تعاطف، إن عهد علاقات الأبوة، متعجرفة كانت أو متسامحة قد ولى وحلت محله من الآن فصاعدا علاقات شراكة مجردة يتحكم فيها منطق النفوذ، الموارد، النفاذ إلى الأسواق وإلى الممرات الاستراتيجية وهنا يجب على البلاد الإفريقية أن تسمع صوتها بقوة وحزم.
إن التحلي بضبط النفس وعدم الانصياع لإملاءات العاطفة: الرد المباشر على كل تحد، التنديد بصوت عال على ما يحصل من تقصير وتصفيق الباب، سلوك قد يكون أكثر فاعلية.
لقد جسد الرئيس مثالا حيا لكل هذه الخصال، فبالرغم من مقاطعته بدون تهيب لم يصدر منه رد على الفور، قد عاب عليه البعض، غير مصيب، في ذلك صمته واعتبره إحجاما في غير محله.
إن غزواني معروف برزانته واعتداله، إنه لا يحب الإفراط وليس بصخاب.
يقول عنه رجل المعارضة الموريتاني عثمان اليسع إنه: "بشوش، يحسن الإصغاء ويكره العنف".
قد عاب الجمهور على نظيره السنغالي موقفه المتودد. وإن اقتراحه على سبيل المزاح تشييد ملعب للعبة الغولف في السنغال احتفاء بدونالد اترامب رأى فيه بعض المحللين محاولة إطراء غير موفقة لضيف لا يقيم وزنا للمجالات.من حقنا أن نتوقع الاحترام من الشركاء الدوليين ولكن من المفيد لنا أن نتعلم أيضا عدم الرد على كل إهانة على أن يكون تراضينا وصمتنا عن وعي وتدبير وأن يواكبه دفاع صارم ع مصالحنا الوطنية.
يتعين على إفريقيا أن تتحرر من شرك الحساسية وأن تتسلح بأدوات السيادة الدبلوماسية والاقتصادية والتأثير الثقافي، وأن تقيم تحالفات انتقائية وتبني قاعدة تكنولوجية صلبة.إن الساحة الدولية مسرح للتجاذب على السلطة الهدف الأسمى فيه هو الوصول إلى النتيجة بغض النظر عن شكل الأساليب المتبعة.
وهكذا تكون حادثة البيت الأبيض علمتنا أن الأدب والرقة قد لا يكون لهم مكان في قاموس أسياد هذا العالم في حين تمثل السيطرة على النفس وعدم الانفعال سلاحا حاسما.اترامب كما هي العادة لم يحد عن سيرته وعلى الأفارقة مستقبلا أن يحولوا عجرفته إلى رافعة من أجل إعادة تموقعهم في الساحة الدولية.
المحامي الدولي جمال محمد الطالب
ترجمة: وكالة موريتانيا اليوم
للإطلاع على المقال باللغة الفرنسية انقر هنا