رسالة مفتوحة إلى النخب الصالحة والجادة

سبت, 2025-10-11 14:37

وجهنا يوم أمس رسالة مفتوحة إلى فخامة رئيس الجمهورية، انطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن الشرط الأول لمحاربة الفساد هو وجود إرادة سياسية عليا تتبنى هذه الحرب بجدية.

واليوم، نوجه رسالة ثانية إلى النخب الصالحة والجادة في هذا البلد، إيمانا منا بأن الشرط الثاني لمحاربة الفساد هو وجود ذراع شعبي قوي يساند هذه الحرب، ولا يمكن لهذا الذراع أن يتشكل دون نخبة واعية قادرة على تعبئته وتوجيه بوصلته إلى الاتجاه الصحيح.ماذا يحدث عندما يُفتح ملف فساد؟سؤال يستحق الطرح الآن.

فعند فتح أي ملف فساد، تتحرك عادة ثلاث جهات، بوعي أو بغير وعي، ولأسباب ودوافع مختلفة، بهدف إرباك من بادر بفتحه. وإذا لم تعارض هذه الجهات فتح ذلك الملف، فإنها على الأقل لا تبدي حماسا لفتحه، ولا تقدم أي دعم لمن فتحه.هذه الجهات الثلاث هي:

الجهة الأولى: وهي طائفة من الأغلبية المتنفذة داخل النظام الحاكم، تمارس الفساد وتدرك أن أي حرب جدية ضده ستضر بمصالحها. لذلك، فإنها تعمل على إرباك أي محاولة لمحاربته، أو على الأقل كبت الحماس داخل الأغلبية لدعم تلك المحاولة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الصمت الحالي للأحزاب والمبادرات السياسية الداعمة للرئيس، والتي اعتادت إصدار بيانات التأييد، لكنها لم تعلن حتى الآن أي دعم لتقرير محكمة الحسابات، ولم تطالب بمحاسبة من وردت أسماؤهم فيه.

الجهة الثانية: وهي طائفة من المعارضة، لا تمارس الفساد، لكنها لا تتحمس لمحاربته من قبل النظام، لأنها تعتبر شعار محاربة الفساد مصدرا للرصيد السياسي والإعلامي للمعارضة، وكلما تفشى الفساد، زادت شعبية المعارضة، وكلما حاربه النظام، تقلصت تلك الشعبية، ولذا، فإن بعض أطراف المعارضة تسارع إلى تصنيف أي ملف فساد يُفتح على أنه تصفية حسابات، وتلك حجة يستخدمها المفسد للدفاع عن نفسه، واعتبار ما يتعرض له مجرد تصفية حسابات سياسية.

الجهة الثالثة: وهي الجهة الاجتماعية التي ينتمي إليها المفسد، من قبيلة أو شريحة أو جهة، وهي  تسارع دائما في الدفاع عنه بحجة أنه ليس المفسد الوحيد في البلد، فلماذا يُحاسب وحده. دون المفسدين الآخرين من القبائل والشرائح الأخرى؟

 كما أن لكل مفسد معلوم الفساد شبكة من الأقارب والأصدقاء وأصحاب المصالح الذين استفادوا من فساده، وهؤلاء يظلون يطالبون - بأعلى الأصوات - بمحاربة الفساد، إلى أن  يُفتح ملف فساد ضد قريب لهم أو شخص كان ينفق عليهم مما سرق، فإذا بهم ينقلبون 180 درجة.

شعارهم: نعم لمحاربة الفساد، ولكن بشرط ألا يصل رصاصها لقريب أو لشخص ننتفع منه.ورغم التناقض الظاهري بين هذه الجهات، فإنها تتوحد دائما ضد أي ملف فساد يُفتح، وبطبيعة الحال فلكل جهة  أسبابها ودوافعها الخاصة بها.

غياب الذراع الشعبي المنظمفي ظل هذا الواقع، يُطرح سؤال جوهري: هل توجد جهة موازية منظمة قادرة على توفير الدعم السياسي والإعلامي، وتمثل غالبية الشعب الموريتاني الطامح لمحاربة الفساد، عندما يُفتح ملف فساد؟للأسف، لا توجد مثل هذه الجهة، وهذا الغياب الدائم  يكشف نقاط ضعف النخب الصالحة، والتي يمكن تلخيصها في:

1. الاستقالة من الشأن العام: حيث تكتفي النخب الصالحة بالتفرج، بينما تتحرك النخب الانتهازية والفاسدة بنشاط وحيوية لإفساد البلد.

2. الخمول وغياب المبادرة: فالنخب الصالحة فشلت في إطلاق مبادرات إصلاحية أو خلق عناوين سياسية أو جمعوية توحد الجهود في عمل هادف، بينما تنشط النخب الفاسدة في إطلاق مبادرات "ذات ضرر عام".

3. غياب العمل المشترك: من النادر أن يجتمع عدد من المواطنين الصالحين في عمل مشترك يهدف للصالح العام، وهم لا يجتمعون في عمل مشترك لأنهم ينتظرون دائما حصول تطابق تام في الرؤى، وهذا لن يتحقق.من الواضح أن نقاط الضعف هذه تتجلى اليوم، بعد صدور تقرير محكمة الحسابات، وذلك في وقت بدأت  تتحرك فيه الجهات الثلاث التي تحدثنا عنها سابقا للتشكيك في أهمية صدور تقرير محكمة الحسابات، بل وللدفاع عن الذين شملهم التقرير، بينما تغيب بشكل كامل أي جهة منظمة تدعم هذا التقرير وتطالب بإجراءات صارمة ضد من شملهم.دعوة لخلق مساحة مشتركةمن الممكن جدا أن نخلق مساحة نضال مشتركة حول هذا الملف، يلتقي فيها المعارض الصادق، والموالي المخلص، والمستقل الناصح، وذلك بعد أن يتفق الجميع على نقطتين جوهريتين:

الأولى: الترحيب بصدور تقرير محكمة الحسابات ونشره للرأي العام، وهذه خطوة يجب أن يرحب بها الجميع، يرحب بها المعارض قبل المستقل والموالي.الثانية: المطالبة باتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من شمله هذا التقرير، فعدم القيام  بذلك سيحوِّل صدور التقرير ونشره إلى خطوة سلبية، تُكرِّس المزيد من الفساد بدلا من الحد منه.إن النخب الصالحة والجادة من مختلف الاتجاهات والأطياف السياسية مدعوة اليوم إلى التحرك العاجل، لاستغلال صدور تقرير محكمة الحسابات، وجعله نقطة انطلاق حقيقية لحرب جدية على الفساد والمفسدين.فهل ستستغل هذه النخب فرصة صدور تقرير محكمة الحسابات لتشكيل حلف وطني لمحاربة الفساد، كنا قد طالبنا به أكثر من مرة؟

تنبيه : قد نضطر لتأجيل المعركة ضد التفاهة إذا ما ظهرت بوادر تشكيل مثل هذا الحلف، فمحاربة الفساد يجب أن تبقى دائما أولوية الأولويات، وأن تعطى لها الأسبقية إذا ما ظهرت فرصة يمكن  أن تستغل، وفي اعتقادي أن الفرصة قائمة حاليا.حفظ الله موريتانيا...

محمد الأمين الفاضل

 [email protected]