
(1) في موريتانيا هناك كارثة خربت كل شيء، ودمرت كل شيء، وأفسدت كل شيء، ومع ذلك فلا أحد يتوقف عندها، إنها كارثة الأطر، والأطر في موريتانيا هم السوس الأبيض الذي يخرب البلاد ودون أن يشعر أحد بذلك.
تنفق موريتانيا المليارات على تعليم هؤلاء الأطر، يتخرجون من أرقى الجامعات في العالم، ثم عندما يعودون إلى أرض الوطن يتركون كل ما تعلموا خلف ظهورهم ليتفرغوا بعد عودتهم إلى أرض الوطن في كل ما من شأنه أن يعجل من خراب هذه البلاد.
إن هؤلاء الأطر لهم قدرة عجيبة في تبديل جلودهم وفي تبديل ولائهم. هم آخر من يودع الرئيس المطاح به، وهم أول من يوالي الرئيس الجديد.
يذهب رئيس قديم ويأتي رئيس جديد، ومع ذلك فلا تتبدل وظائفهم بل على العكس، فإنهم يترقون في وظائفهم مع سقوط كل رئيس كانوا قد بالغوا في التصفيق والتطبيل له!!
من مقال قديم تحت عنوان: "في موريتانيا هناك كارثة اسمها الأطر" منشور قبل عقد من الزمن، وتحديدا في يوم الاثنين الموافق 1 يونيو 2015.
(2) من النادر جدا أن يتم الحديث عن المخاطر التي تتعرض لها الأنظمة الحاكمة من داخلها، وجرت العادة أن ينحصر الحديث عن تهديد المعارضة كلما كان هناك حديث عن المخاطر التي تهدد الأنظمة الحاكمة، وفي ذلك خطأ كبير لأن التجارب أثبتت في الماضي ـ وما تزال تثبت في الحاضر ـ أن من أشد المخاطر التي تهدد الأنظمة الحاكمة هي تلك المخاطر التي تأتي من داخلها.
وإذا ما تحدثنا بشكل مجمل وعام عن الأنظمة الحاكمة، فيمكن القول بأن من يهددون الأنظمة الحاكمة من داخلها يمكن تتبعهم وتحديدهم من خلال الصفات أو المواصفات التالية:
1 ـ كبار الموظفين الذين لا يؤدون المهام الموكلة إليهم، ويتهربون من واجبهم الوظيفي، ولكنهم ـ وللتغطية على فشلهم في أداء واجبهم ـ يبالغون كثيرا في إظهار الولاء الزائف للرئيس؛
2 ـ الموظفون الذين يضعون مصلحتهم الخاصة فوق مصلحة النظام والمصلحة العليا للبلد؛
3 ـ الموظفون الذين ينخرطون بقوة في الأحلاف أو اللوبيات المتصارعة داخل الأنظمة الحاكمة، والذين يجعلون في كثير من الأحيان خصوماتهم مع بعضهم البعض فوق خصوماتهم مع معارضة تلك الأنظمة أو مع أي جهة أخرى يمكن أن تعادي تلك الأنظمة؛
4 ـ الموظفون الذين لا يملكون الكفاءة والأهلية لتأدية المهام الموكلة إليهم، هذا النوع من الموظفين يشكل خطرا مستديما على النظام الحاكم، حتى وإن كان صادق الولاء وشديد الإخلاص للنظام؛
5 ـ الموظفون الذين لا يستطيعون أن يضيفوا رصيدا من الإنجازات إلى رصيد الحكومة، أو السياسيون الذين لا يستطيعون أن يضيفوا رصيدا سياسيا للنظام، وإنما يقتاتون فقط من رصيد الرئيس ويسحبون منه باستمرار ودون أي إضافة؛
6 ـ الموظفون الذين يتغنون علنا بشعارات النظام (كتقريب خدمات الإدارة من المواطن مثلا)، ويقومون ببعض الأعمال المسرحية لتأكيد أنهم يقربون خدمات الإدارة من المواطنين، ولكنهم عند أي اختبار جدي يظهر زيف ادعائهم ذلك، وينكشف مدى احتقارهم للمواطنين.
من مقال سابق تحت عنوان: " هؤلاء هم الأكثر خطورة على الأنظمة الحاكمة!" منشور يوم الجمعة الموافق 02 سبتمبر 2022.
(3) إن الموظف الذي يؤدي مهامه على أحسن وجه هو من يدعم حقا رئيس الجمهورية، والموظف الذي لا يؤدي واجبه اتجاه المواطن هو أخطر معارض لرئيس الجمهورية، حتى وإن أطلق ألف مبادرة ومبادرة.
إن الدعاية السياسية للنظام التي يمكن أن يقدمها مدير شركة الكهرباء أو شركة الماء مثلا من خلال العمل على عدم انقطاع خدمتي الماء والكهرباء عن المواطن، ووصولهما إليه على أحسن وجه وبأفضل الأسعار ...إن الدعاية السياسية للنظام من خلال تحسين خدمات الماء والكهرباء لهي خير من كل ما يمكن أن يقوم به حزب الإنصاف وكل النواب التابعين له من دعاية لصالح النظام، ولمأمورية كاملة.
وإن تعثر خدمات الماء والكهرباء سيؤديان إلى سخط المواطن، وسيكون تأثيرهما السلبي أكثر خطورة مما يمكن أن تقوم به المعارضة إن اجتمعت عن بكرة أبيها في صعيد واحد، واستمرت في نقد النظام ولمأمورية كاملة.
أيها الطبيب إذا كنتَ داعما بحق للرئيس فكن قريبا من المرضى وجاهد في خدمتهم، فذلك هو الدعم السياسي الحقيقي والمثمر للرئيس.
نفس الشيء يمكن أن نقوله عن المعلم والأستاذ وبشكل عام عن الموظف أينما كان، وخاصة إن كان يعمل في قطاع خدمي أو إنتاجي يتأثر به المواطن بشكل مباشر..
ادعموا الرئيس بأداء واجبكم الوظيفي على أحسن وجه، فذلك هو الدعم الحقيقي. أما إذا قصرتم في أداء واجبكم الوظيفي فلتعلموا أنكم من أخطر معارضي الرئيس حتى وإن أطلقتم عشرات المبادرات الداعمة.
من مقال سابق تحت عنوان: " أفكار لدعم الرئيس" منشور يوم الأربعاء الموافق 17 أبريل 2024.
(4) أطلق فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، اليوم من مدينة النعمة، برنامجا استعجاليا لصالح 11 ولاية، بميزانية تقديرية تصل إلى 260 مليار أوقية قديمة، ستستفيد منه 223 بلدية، وسيتدخل في 2300 مدينة وقرية.
يأتي إطلاق هذا البرنامج في إطار زيارة رئاسية هي الأولى من نوعها في تاريخ البلد، الأولى من حيث المدة، ومن حيث حجم المشاريع التي سيتم إطلاقها، ورغم أهمية هذه الزيارة إلا أنها تتعرض الآن للتشويش من طرف أطر الولاية، وهو ما قد يتسبب في التقليل من رمزيتها المعنوية، وأثرها التنموي، ويظهر ذلك التشويش من خلال:
1 ـ بدلا من التنافس في إبراز أهمية الزيارة وحجم المشاريع المنتظرة، ينشغل الأطر بالتنافس الإعلامي حول من هو أكثر حضورا وشعبية في الولاية، فهذا موقع يكتب أن الإطار الفلاني أثبت أنه رجل الحوض الشرقي الأول، وتلك منصة تكتب أن حلف الإطار الفلاني هو الحلف الأقوى في الولاية، وهذا مدون أو مجموعة من المدونين تزعم أن الإطار الفلاني أثبت بالفعل أنه يستحق ثقة رئيس الجمهورية الممنوحة له، وهكذا...
2 ـ تهدف هذه الزيارة إلى الاطلاع الميداني على أحوال المواطنين والاستماع إليهم عن قرب، لكن الأطر القادمين من نواكشوط يحولون دون ذلك، إذ يزاحمون السكان المحليين ويحرمونهم من لقاء الرئيس وطرح همومهم.
وإن التقى أحد هؤلاء الأطر بالرئيس، فإنه لن يحدثه عن مشاكل الولاية، بل عن مصالحه الخاصة: تعيين، صفقة، أو امتياز شخصي آخر من أي نوع.
3 ـ يُكثر الأطر من القول إنهم جاؤوا “لإنجاح الزيارة”، وكأنها لن تنجح إلا بقدومهم، بينما الحقيقة هي أنهم يُسهمون في إفشالها عبر حجب المواطنين عن الرئيس. من يريد حقا إنجاح الزيارة من أطر الولاية، عليه أن يواصل عمله في نواكشوط، وليترك فخامة الرئيس يلتقي بسكان الولاية المقيمين فيها، والذين لن يغادروها بعد انتهاء الزيارة، خلافا للوافدين إليها مؤقتا.
4 ـ إن ظهور أعداد كبيرة من السيارات الفاخرة في ولاية الحوض الشرقي لدى أطر يعرف الجميع مستوى رواتبهم، وبعضهم حديث العهد بالوظيفة، يعدُّ أخطر عملية تشكيك في الحرب التي يخوضها الرئيس ضد الفساد.
فمن أين لكم يا أطر ولاية الحوض الشرقي هذه السيارات الفاخرة وتلك المنازل الفخمة في الأحياء الراقية؟
لا أحد منكم يستطيع أن يتجرأ ويقول إنه اقتنى تلك السيارات الفاخرة وشيَّد تلك المنازل الفخمة من مدخرات راتبه.
5 ـ الأخطر من كل ذلك أن هذه المشاريع التي ستنجز في الولاية لن تحسب للدولة ولا لفخامة الرئيس، فكل قرية ستقول هذه المدرسة أنجزها لنا ابننا فلان، وتلك المضخة أنجزها ابننا فلان وهكذا..
إن الأطر في الولايات الداخلية يحاولون دائما أن يوهموا سكان قراهم ومدنهم بأنهم هم من تدخل لتشييد هذه المدرسة أو ذلك المركز الصحي أو تلك المضخة، وهكذا يُغيَّب دور الدولة ويُضعف حضورها في وعي المواطنين. فإذا لم تُنسب تلك المشاريع إلى الدولة، فلتُنسب على الأقل إلى فخامة الرئيس صاحب المبادرة في إنجازها.
تنبيهان
التنبيه الأول: ما قلته هنا عن أطر ولاية الحوض الشرقي ينطبق تماما على أطر كل ولاية من ولايات الوطن. إن الذي جعلني أقتصر على أطر هذه الولاية هو أنها هي الولاية التي يزورها حاليا فخامة الرئيس.
التنبيه الثاني: أعلم أن بعض الأطر سيقول إن هذا كلام معارض، وهذا قول غير صحيح ولا يستقيم. لن أقبل أن يدعي أي شخص في الأغلبية مهما كان موقعه فيها، بأنه أكثر صدقا ولا إخلاصا منِّي في دعم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فأسباب دعمي له كثيرة، ولا يتسع هذا المقام لتعدادها ولا لبسطها.
إن صدق دعمي لفخامة الرئيس هو ما دفعني بالضبط لكتابة هذا المقال ونشره في مثل هذا الوقت بالذات.
حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين الفاضل
.jpg)

