
معالي وزير تمكين الشباب والتشغيل والرياضة والخدمة المدنية
معالي وزير العدل
السيد رئيس المحكمة العليا
السيد المدعي العام لدى المحكمة العليا
السيد المفتش العام للدولة
السيد الأمين العام لوزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية
السيد الأمين عام لمحكمة الحسابات
السيد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية
السيداتِ والسادة الحضورَ الكرام،
يسعدني أن ألتقي معكم اليوم بمناسبة تخليد اليوم العالمي لمكافحة الفساد تحت شعار: "الاتحاد مع الشبابضد الفساد: بناء نزاهة الغد"
وهو شعار يحمل رسالة عميقة مفادها أن معركة الغد هي قبل كل شيء معركة الأجيال الصاعدة؛ وأن مكافحة الفساد لم تعد مسؤولية مؤسسات الدولة وحدها، بل أصبحت قضية وعي مجتمعي، وتربية مدنية، وتحصين أخلاقي، يلعب فيها الشباب دورًا مركزيًا باعتبارهم الطاقة الأكثر قدرة على التغيير، والأكثر استجابة لخطاب الإصلاح، والأقدر على حمل قيم الشفافية والمساءلة في عصر الرقمنة والسرعة.
السيدات والسادة،
إنه من حسن التوفيق أن يأتي شعار هذا العام متسقًا تمام الاتساق مع الإرادة السياسية الواضحة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي جعل من مكافحة الفساد محورا أساسيا من برنامجه الانتخابي لمأموريته الثانية وأعلن أنها هي "مأموريةالشباب"، تأكيدًا على أن تمكين الشباب ليس شعارًاعابرًا، بل خيار استراتيجي.
وقد تجسّد هذا التوجه في عدة مبادرات وإجراءات من بينها استحداث وزارة خاصة بتمكين الشباب، وتنظيم منتدى تمكين الشباب الذي أسس لمسار جديد من الحوار والتشاور مع الشباب، وأسفر عن إجراءات عملية لتعزيز مشاركتهم في إدارة الشأن العام وصناعة القرار، من بينها إنشاء جهاز مؤسسي للتشاور الشبابي ووضع إطار دائم يضمن حضور البعد الشبابي في برامج التنمية.
وهذا التمكين الموجَّه للشباب ليس معزولًا عن جهود مكافحة الفساد؛ بل هو ركيزة في رؤية شاملة تدرك أن لا تنمية مع الفساد، ولا إصلاح من دون شباب.
السيدات والسادة،
إدراكًا لأهمية استقلالية القضاء في مجال مكافحة الفساد تم تنظيم منتديات عامة حول العدالة بمشاركة جميع الفاعلين العموميين، والتي تمخضت عن وثيقةٍ وطنية شاملة لإصلاح وتطوير العدالة تشكل خريطة طريق خلال السنوات المقبلة، وفي هذا الإطار، اتُّخذت اللجنة العليا لإصلاح وتطوير العدالة عدة تدابير عملية لتكريس استقلالية القضاء، تشمل تحسين الظروف المادية للقضاة وكتاب الضبط، وإنشاء معهد للتكوين القضائي لتطوير المعارف وتوحيد معايير التكوين وتعزيز المهنية.
كما تم التوجيه بإعداد مدونات أخلاقية للقضاة وكُتّاب الضبط والمحامين والموثقين وعدول التنفيذ والخبراء القضائيين، بما يضمن انسجام المعايير عبر مختلف المهن المرتبطة بإقامة العدل.
وإلى جانب ذلك، يتم العمل على إصلاحات تشريعية واسعة تروم تبسيط الإجراءات وتسريعها، بما يضمن عدالة ناجزة ويزيل التعقيدات التي قد تُستغل للإضرار بشفافية الإجراءات القضائية.
السيدات والسادة،
وفي امتدادٍ طبيعي لهذه الإصلاحات، عملت الدولة على تقوية أجهزة الرقابة وتمكينها من الوسائل القانونية والبشرية والتقنية اللازمة للاضطلاع بدورها الكامل في الرقابة وحماية المال العام، ومشاركة المعلومات مع الرأي العام، عبر نشر تقرير محكمة الحسابات سنويًا للعموم وإلزام المفتشية العامة للدولة بإعداد تقرير سنوي ونشره للعموم.
وبفضل هذه الخطوات أصبحت مؤسسات الرقابة جزءًا حيًا من منظومة الحوكمة الوطنية، تصدر التقارير، وتدق ناقوس الخطر، وتوصي بالتصحيح، وتسهم في بناء ثقة المواطن في الرقابة العمومية.
وفي إطار رؤية استشرافية لتعزيز منظومة النزاهة، عملتالدولة على تنفيذ حزمة من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية تهدف إلى الارتقاء بسياسات مكافحة الفساد إلى أعلى مستوى من الفعالية والاتساق.
فقد تم تبنّي استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد وإعادة هيكلة اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة تنفيذها، بما يضمن وضوح الصلاحيات وحسن التنسيق بين مختلف الفاعلين.
كما تمت مراجعة قانون مكافحة الفساد وتطويره ليشمل آليات أقوى للملاحقة القضائية واسترداد الموجودات، إلى جانب إعداد قانون جديد للتصريح بالممتلكات والمصالح، وتوجت هذه الإصلاحات بإنشاء السلطة الوطنية لمكافحة الفساد، المكلفة بتطوير سياسات الوقاية وتعزيز ثقافة النزاهة، إضافة إلى دورها في مجال المكافحة من خلالإدارة ومراقبة التصريح بالممتلكات ومكافحة الإثراء غير الشرعي للموظفين وحماية المبلغين والشهود.
ويجري العمل حاليًا على استكمال بنيتها الهيكلية والتشغيلية قبل انتهاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها قانونًا.
السيدات والسادة،
وفي سياق تعزيز الشفافية والمساءلة في المالية العمومية، نفذت الدولة إصلاحات جوهرية مست مختلف مراحل إعداد وتنفيذ الميزانية، شملت تحديث قواعد البرمجة، وتطوير منصة الإنفاق، وتحسين نظام تتبع النفقات ضمانًا لفعالية التنفيذ ووضوح المساءلة.
كما شهدت منظومة الصفقات العمومية إصلاحات هيكلية مهمة، تمثلت في تحديث الإطار القانوني للصفقاتورقمنة مسار إعداد وتنفيذ الصفقات، بما يقلل الهدر ويحد من فرص الفساد.
السيدات والسادة،
ختاما إن التقاء الإرادة السياسية، وتمكين الشباب، وتعزيز الرقابة، وتحديث القوانين، وترسيخ الشفافية، هو ما يصنع اليوم ديناميكية وطنية جديدة تؤكد بجلاء أن مكافحة الفساد ليست مجرد شعار، بل هي خيار وطني ثابت، وإرادة سياسية واضحة، ومسار إصلاحي يتقدم بثبات، بفضل توجيهات فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني،وجهود مختلف المؤسسات، وبمساندة شركائنا الدوليين.
وإننا في السلطة الوطنية لمكافحة الفساد نلتزم بمواصلة هذا المسار، والعمل مع جميع الشركاء — وخاصة الشباب — من أجل بناء موريتانيا نزيهة، قوية، عادلة، ومزدهرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته






