محاربة الفساد: من التعهد السياسي إلى الفعل الحكومي

سبت, 2025-12-13 14:52
محمد عبد الله بين

بالرغم من أن الحرب على الفساد ستكون، بطبيعتها، صعبة وطويلة النفس، إلا أنه لا خيار عن مواصلتها ولا بديل عن النصر الحاسم فيها. هذه القناعة لم تعد مجرد شعار أخلاقي أو خطاب مناسباتي، بل تحولت في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة إلى خيار استراتيجي للدولة، عبّر عنه بوضوح كلٌّ من رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني والوزير الأول المختار ولد اجاي، خاصة في اليوم الدولي لمحاربة الفساد.لقد أكد رئيس الجمهورية، في أكثر من مناسبة، أن محاربة الفساد لا خيار بديل عنها، وأن هذه الحرب لا يمكن أن تُخاض إلا بمشاركة الجميع : دولةً ومؤسسات، ومجتمعًا مدنيًا، وإعلامًا، ومواطنين. وهو ما يعكس فهما عميقا لطبيعة الفساد بوصفه ظاهرة بنيوية، لا تُجتثّ بقرارات معزولة، بل بسياسات متكاملة وإرادة سياسية ثابتة.ويأتي برنامج فخامة الرئيس «طموح للوطن» ليضع محاربة الفساد في قمة أولوياته، باعتبارها المكوّن الأساس لأي إصلاح حقيقي، والشرط الضروري لإرساء دولة القانون والحوكمة الرشيدة، والتنمية المستدامة. ولم يكن هذا الاختيار اعتباطيا، بل نابعًا من تشخيص دقيق لأعطاب الدولة، حيث لا تنجح أي سياسة اقتصادية أو اجتماعية في ظل بيئة ينخرها الفساد والإفلات من العقاب.انسجامًا مع هذا التوجه، جاء برنامج الحكومة الذي تقدم به الوزير الأول المختار ولد اجاي، ونال ثقة البرلمان، ليجعل من محاربة الفساد محورًا عرضانيًا يَسري في مختلف السياسات العمومية، لا قطاعًا معزولًا أو ملفًا ثانويًا.

فقد اعتُبرت مكافحة الفساد شرطًا لا غنى عنه لإرساء حوكمة رشيدة، ومدخلًا حتميًا لتحقيق التنمية، لا نتيجة لاحقة لها.وقد تجسد هذا التوجه في جملة من الإجراءات العملية، من أبرزها:تفعيل النصوص القانونية ذات الصلة بمحاربة الفساد، ومراجعتها وسد الثغرات التي كانت تُستغل سابقًا للالتفاف على القانون.

تعزيز دور المؤسسات الرقابية القائمة، ومنحها هامشًا أوسع من الاستقلالية والفعالية.إنشاء هيئات مستقلة لمحاربة الفساد، بما يعكس انتقال الدولة من منطق النوايا إلى منطق البناء المؤسساتي.

تحريك ملفات حساسة في قطاعات حيوية، والتفاعل بالسرعة المطلوبة مع تقارير مفتشية الدولة ومحكمة الحسابات، بعد أن ظلت هذه التقارير، في فترات سابقة، حبيسة الأدراج.هذا الحراك، على محدوديته النسبية بحكم حداثته وتعقّد التركة، أعاد الأمل إلى المواطن، وأسس لانطلاقة واعية في الحرب على الفساد، قائمة على الفعل لا على الخطاب، وعلى التراكم لا على الاستعراض.

 المختار ولد اجاي: أهلية القيادة وصدق الالتزام

من وجهة نظر تحليلية، تبرز شخصية الوزير الأول المختار ولد اجاي بوصفه أحد أكثر المسؤولين انسجامًا مع رؤية رئيس الجمهورية في هذا الملف الحساس. فالرجل راكم تجربة معتبرة في التسيير العمومي، وارتبط اسمه ـ في مختلف المناصب التي شغلها ـ بالصرامة في التدبير، والانضباط المالي، والحرص على احترام المساطر.وتكمن أهلية المختار ولد اجاي لقيادة هذه المرحلة الدقيقة في ثلاثة عناصر أساسية:

1. الانسجام السياسي مع رئيس الجمهورية، لا بوصفه ولاءً شكليًا، بل توافقًا في الرؤية والتشخيص والأولويات.

2. الخبرة التقنية والإدارية التي تتيح له فهم آليات الفساد المعقدة داخل الدولة، والتعامل معها بعقل بارد ومنهج مؤسسي.

3. الصدق في الالتزام، حيث لا يظهر الرجل كمجرد ناقل لتعليمات، بل كفاعل يتحمل كلفة القرار، ويدرك أن معركة الفساد معركة غير شعبوية، وقد تكون غير مريحة، لكنها ضرورية.إن محاربة الفساد في موريتانيا لم تعد ترفًا سياسيًا ولا مطلبًا ظرفيًا، بل أصبحت خيار دولة. وما تقوم به الحكومة اليوم، بقيادة المختار ولد اجاي، يشكل استجابة عملية لدعوة رئيس الجمهورية، وتنزيلًا فعليًا لطموحاته للوطن.ويبقى التحدي الأكبر هو استدامة هذا المسار، وتحصينه من التراجع أو الانتقائية، حتى تتحول محاربة الفساد من مرحلة المبادرة إلى ثقافة مؤسسية راسخة، يشعر المواطن بآثارها في حياته اليومية، وتنعكس على ثقة المجتمع في الدولة ومستقبلها.