رغم الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الموريتاني ورغم تحكم الشرذمة الحاكمة في ثروات وموارد البلاد إلا أنه لا أمل للتغيير يلوح في الأفق، فمعظم الشباب الحالمين مابين من تم إغراؤه ومن امْتُص حماسه وفقد الثقة في نفسه وفي رفاقه، مما حدا به للاستسلام للأمر الواقع والتفكير في طريق
للخروج من هذه البلاد قبل أن يصل به الحال إلى الانضمام لموكب المطبلين الكثر للصوص الحاكمين.فساد الطبقة السياسية وخيار السلميةلعل من أهم الاعتبارات التي قادتنا إلى هذا الواقع سوء وفساد الطبقة السياسية بشقيها المعارض والموالي، إضافة إلى جنوح معظم الطامحين للتغيير إلى خيار السلمية الذي كثر المروجون له، مع أن التاريخ يؤكد استحالة خلق تغيير شامل من دون سفك دماء كثيرة والقضاء على كل اللصوص والطغاة، ومن الغريب أن معظم دعاة السلمية هم من المعجبين بالديمقراطية الغربية متناسين أن الغرب لم يصل لما وصل إليه من عدالة نسبية ورفاه اقتصادي إلا بعد قرون من الدماء، فخلال المرحلة الأولى من الثورة الفرنسية التي تعتبر ملهمة أوروبا للتخلص من الاستبداد، تم إعدام أكثر من 42 ألف شخص، وفي أبريطانيا يدين الشعب البريطاني بالفضل في الديمقراطية لأوليفر كرومويل الذي ثار على الملك تشارلز الأول حين رفض التنازل عن بعض السلطات للبرلمان ودخل معه في حرب أهلية قُتل خلالها 160 ألف شخص لكنها أدت إلى تغيير حقيقي في أبريطانيا ولا يزال تمثال كرومويل إلى الآن أمام البرلمان البريطاني كعرفان بفضله.وحديثا أثبتت ثورات الربيع العربي أن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتم من خلال المسيرات السلمية، ففي كل من مصر وتونس ورغم إزالة رأس النظام عن طريق المسيرات السلمية، إلا أن الانتخابات في تونس عادت بنفس الطغاة، في حين عاد قادة وأركان نظام مبارك عبر انقلاب مضاد تم تشجيعه من طرف الغرب الديمقراطي!بكل بساطة عاد أولئك لأنهم يملكون المال والإعلام والنفوذ ولا يمكن إزالتهم وإراحة البلاد من ظلمهم إلا من خلال قطع رؤوسهم وسفك دمائهم، فتلك هي الطريق الوحيد لفرض تغيير حقيقي تنعم الشعوب بنتائجه.الربيع العربي ورياح التغييرشعار التغيير في موريتانيا شعار مستهلك فلم يبق قائد انقلاب ولا لص ممن استهوتهم السياسة في هذه البلاد إلا وتشدق به، غير أنه مع بداية العام 2011 تعالت أصوات جديدة لمطالبين جدد ينادون بضرورة التغيير، كما تشكلت حركات وتنظيمات شبابية جمعت الكثير من الشباب المتسيس والمستقل، وحاول الشاب الموريتاني من خلال تلك الحركات استثمار الواقع الصعب الذي يعيشه المواطن الموريتاني بغية تحقيق ما عجزت عنه الأحزاب السياسية، ساعيا إلى فرض تغيير يختلف عن ما كان يحدث سابقا من خلال الانقلابات ذات النتائج الشكلية، وقد استقطبت تلك الحركات الكثير من المتحمسين والناقمين على الواقع المعاش بيد أن حماس أولئك ما لبث أن خمد تحت تأثير غياب الضمير لدى قادة تلك الحركات والتنظيمات وكذا الاختراق الأمني الذي جعل من تلك الحركات عائقا أمام التغيير، فهي تستقطب الشاب الثائر المشتعل بنار الواقع ثم تقتل حماسه من خلال أنشطتها المقولبة في قالب لا يشكل خطرا على النظام القائم، فكل الساعين للتغيير تحت إطارها مأمون شرهم، لكون عملاء النظام هم من يضع استراتيجيات تلك الحركات وهم من يحددون إمكانيات وسقف الفعل وردة الفعل للمنخرطين فيها.أبن الوزير الثائرومن عوامل فشل هذا الحراك في تحقيق التغيير المنشود أيضا، كون معظم منظريه من أبناء المسؤولين السابقين ممن ألقى بهم المزاج المتقلب لجنرالات الجيش المنقلبين في مرآب البطالة وهم المتعودون على الإسراف والتبذير في استهلاك المال العام، فاضطروا للعب ورقة الأبناء وتوجيه أحداث الساعة لصالحهم، وهو أمر جعل من حلم التغيير لدى أغلبية الشعب المطحونة مجرد ورقة للمناورة والضغط على السلطة الحاكمة من أجل تحقيق مكاسب ولو جزئرية لأقلية من المفسدين رماهم النظام الفاسد لظروف مؤقتة.جدير بالذكر أن الثائر القادم إلى ساحة النضال في سيارة فارهة وهو ممتلئ البطن لن يصمد للحظات في وجه مسيلات الدموع، بل سيكون همه الأكبر المحافظة على سيارته الغالية وهندامه الفاخر إضافة إلى البحث عن دورة مياه مناسبة لقضاء حاجته!مشاركة أمثال هؤلاء النضال خارج المقاهي ومن دون مكيفات تعتبر نوعا من تضييع الوقت فمن غير الطبيعي أن يخسر أولئك ما لديهم من ظروف العيش المريح بغية حصول آخرين على نفس الظروف التي يعيشونها.المعارضة وأوهام التغييرحين يكون الحديث عن التغيير الحقيقي فمن الأولى تجنب الحديث عن المعارضة الموريتانية، ذلك لكون المعارضة في موريتانيا من أهم رعاة الظلم والفساد، فكلما وجدت الطبقة الحاكمة نفسها في ورطة هبت المعارضة لتخليصها، تارة بالانضمام كما حدث مع انتخابات 2007، وتارة في مساندة انقلاب لا مبرر له كما حدث بعد الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله، وتارة يقتضي التخليص نزول منزلة بين المنزلتين على حد تعبير محمد جميل منصور!إن التغيير الحقيقي لن يكون إلا بعد القضاء على كل الظلمة والمفسدين ولن يتحقق ذلك بمسيرات المعارضة ولا بسعيها لانتزاع مكاسب من النظام الحاكم، كما أن الثوار المترفين غير مؤهلين لصناعة التغيير، إنما يتم التغيير عن طريق ثورة كاسحة يقودها أبناء الفقراء والمطحونين، ثورة تتخذ من الرصاص قلما ومن الدم حبرا لها، فمتى تكون تلك الثورة؟