
العربي الحميدي
في عالمٍ معاصرٍ تحكمه السرعة، وتُهيمن عليه القيم الاستهلاكية، وتضيق فيه مساحات التأمّل والإنصات للذات، يُعتبَر الشعرُ والفنُّ التشكيلي، بوصفهما فعلين إنسانيين مقاومين، ضرورةً وجودية. فهما لا ينتميان إلى الكماليات ولا إلى زينة العيش، بل إلى صميم الوجود الإنساني؛ فيهما، أو من خلالهما، تتشكّل الأسئلة الكبرى، ويتكوّن الوعي، وتُستعاد كرامة الإنسان في مواجهة القهر المادي والروحي.
إنّ الحديث عن أهمية الشعر والفن التشكيلي اليوم هو حديث عن معنى الحياة، وعن العدالة الرمزية، وعن حقّ الإنسان، كلّ إنسان، في أن يرى نفسه ممثَّلًا، وصوته مسموعًا، ووجعه معترفًا به.
الشعر والفن بوصفهما ضرورةلم يولد الشعر ولا الفن التشكيلي استجابةً للترفيه أو الرفاه، بل نشآ من الحاجة الأولى إلى التعبير، ومن الخوف، ومن الدهشة، ومن الرغبة في تخليد الأثر. ففي الكهوف الأولى رسم الإنسان جدرانه قبل أن يبني قصوره، وأنشد قبل أن يمتلك لغته المكتملة. ومن هنا، فإن الفن ليس رفاهًا إنسانيًا، بل هو بنية أساسية في تكوين الإنسان، ووسيلة لفهم العالم وإعادة ترتيب المواقف.
في حياتنا المعاصرة، حيث تتكاثر أشكال «العنف الرمزي»، وحيث يُختزل الإنسان في أرقام الاستهلاك والإحصاء، يستعيد الشعرُ والفنُّ التشكيلي وظيفتهما الإنقاذية:
إنقاذ الحساسية الإنسانية من التبلّد، واللغة من الفقر، والخيال من الاضمحلال.
إنهما يمنحان الفرد القدرة على مساءلة الواقع بدل الخضوع له، وعلى تحويل الألم إلى معرفة، والصدمة إلى شكل، والصمت إلى دلالة.
الشعر والفن في مواجهة القسوة الاجتماعية تتجلّى أهمية الشعر والفن التشكيلي بوضوح حين ننظر إليهما من زاوية اجتماعية وأخلاقية.
فالمجتمعات الحديثة، رغم تقدّمها التقني، تعاني اختلالات عميقة، من الإقصاء وانعدام العدالة الرمزية.
وفي هذا السياق، لا يقدّم الشعر والفن حلولًا مادية مباشرة، لكنهما يقدّمان ما هو أعمق: إنّه الاعتراف.


