
أولا: مقدمة
تابعت حملة معا للحد من حوادث السير ببالغ الحزن والأسى، سلسلة الحوادث المميتة التي شهدتها بعض المحاور الطرقية الوطنية خلال الأيام الأخيرة من شهر دجمبر 2025، والتي أسفرت في المجمل، وفي ظرف زمني ومكاني متقارب، عن وفاة تسعة مواطنين بشكل فوري، كان من بينهم ستة أساتذة ومدرسين، وهو ما يمثِّل خسارة بشرية مؤلمة لموريتانيا عموما، وللقطاع التربوي على وجه الخصوص.
والحملة إذ تجدد تعازيها الصادقة لأسر الضحايا، فإنها ترى أن من واجبها كمنظمة مجتمع مدني فاعلة في مجال السلامة الطرقية، أن تقدم قراءة موضوعية ومهنية لأسباب هذه الحوادث الأخيرة، والتنبيه إلى العامل المشترك الأخطر بينها، والذي يتمثل في السرعة المفرطة، بوصفها العامل الذي يحوِّل الحوادث مهما كانت أسبابها إلى مآس وفواجع ذات كلفة بشرية كبيرة.ثانيا: عرض موجز عن الحوادث
1. حادث طريق (أكجوجت - نواكشوط)
التاريخ: مساء الأربعاء 24 دجمبر
المكان: على بعد 40 كلم من مدينة أكجوجت
الضحايا: ثلاثة أساتذة من المحظرة الشنقيطية الكبرى
الأسباب المباشرة: تجاوز خطر + سرعة مفرطة.
2. حادث طريق نواذيبو – نواكشوط (الأول)
التاريخ: صباح السبت 27 دجمبر
المكان: على بعد 120 كلم من مدينة نواذيبو
الضحايا: ثلاثة مدرسين الأسباب المباشرة: انفجار عجلة + سرعة مفرطة.
3. حادث طريق نواذيبو – نواكشوط (الثاني)
التاريخ: صباح الأحد 28 دجمبر
المكان: نفس الطريق ونفس المقطع تقريبا
الضحايا: ثلاثة أشخاص
الأسباب المباشرة: النوم أثناء القيادة + سرعة مفرطة.
الملاحظة الجوهرية:
رغم اختلاف الأسباب المباشرة لهذه الحوادث، من تجاوز خطر، إلى إنفجار عجلة، إلى نوم السائق، فإن السرعة المفرطة كانت هي العامل المشترك في هذه الحوادث الثلاثة، وهي التي ضاعفت من حجم الخسائر البشرية والمادية، كما يحدث دائما في الحوادث التي تكون من أسبابها السرعة المفرطة.
ثالثا: معطيات أساسية حول وضعية الطرقتؤكد المعاينات الميدانية والمعلومات المتوفرة لدينا في الحملة أن الحوادث الثلاثة وقعت على مقاطع طرقية في وضعية مقبولة، حيث لا توجد حفر، ولا ألسنة رملية، ولا انحرافات حادة، أو ارتفاعات خطرة.
ويُعدُّ هذا المعطى في غاية الأهمية، لأنه ينفي أن تكون حالة الطريق، في هذه الحوادث تحديدا، هي السبب الرئيسي والمباشر.
رابعا: الطريق بين الواقع والمسؤولية تؤكد الحملة أن تهالك الطرق يعد مشكلة حقيقية، فهو يتسبب في حوادث سير، و يُلحق خسائر اقتصادية جسيمة بالمركبات، ويكبِّد مستخدمي الطرق مشقة ومعاناة مستمرة، هذا فضلا عن كونه يشكل مظهرا لا يليق بدولة تحترم نفسها، لكن، ورغم كل ذلك، فإن تهالك الطرق ليس المتسبب الأول في حوادث السير.
والدليل على ذلك لمسناه في الحملة منذ سنوات، وشكل لنا مفاجأة كبيرة حينها، فعدد حوادث السير على طريق روصو خلال فترة تهالكه، لم تكن أكثر من عددها بعد ترميم هذا الطريق وإصلاحه بشكل كامل.
إن الطريق الجيد يغري السائقين بزيادة السرعة، ويحوِّل أي خطأ بشري بسيط أو عطب فني طارئ إلى حادث مميت، ولهذا، فإن تشييد الطرق وترميمها دون إجراءات مرافقة قد يحول مشاريع البنية التحتية إلى مصائد للموت بدل أن تساهم تلك المشاريع في تعزيز السلامة الطرقية.
خامسا: هناك شرطان أساسييان يجب أن يصاحبا تشييد الطرق وترميمها، وهما:
1. تكثيف التوعية والتحسيس بخطورة السرعة المفرطة، وبخصوص هذه النقطة، فإن هناك تقصيرا واضحا من كل الجهات المعنية تتحمل فيه وزارة التجهيز والنقل المسؤولية الأولى، مع أنها خصصت 160 مليون أوقية قديمة للتوعية والتحسيس في ميزانية 2026، وربما مبالغ أكبر في السنوات الماضية، ومع ذلك فما زالت التوعية غائبة إن لم تكن معدومة.
وفي هذا الإطار، فإن الحملة تؤكد أنها كفاعل ميداني نشط في مجال التوعية،لم تحصل على أي دعم من أي نوع خلال السنوات الأخيرة من الوزارة، رغم تخصيصها كل سنة لمبالغ كبيرة للتوعية والتحسيس،ولا تتوفر لدينا في الحملة أي معلومات عن كيفية صرف هذه المبالغ الكبيرة.
2. فرض رقابة صارمة ومستدامة على السرعة، فمن الملاحظ غياب الردع الحقيقي للسائقين الذين يقودون سياراتهم بسرعة مفرطة، وهو ما يشجع دائما على المزيد من الرعونة والاستهتار لدى الكثير من السائقين.
إننا في الحملة نرحب بالإجراءات المعلن عنها مؤخرا ضد السرعة المفرطة، ونأمل أن تكون هذه الإجراءات إجراءات جادة، صارمة، ومستدامة.
سادسا: المسؤولية المشتركة تحاول الجهات المعنية في خطابها تحميل السائقين المسؤولية الكاملة عن الحوادث، بحجة السرعة المفرطة.
وهذا صحيح إلى حد ما، فالسائق هو من يضغط على دواسة الوقود، وهو من يحدد سرعة المركبة، ولكن الصحيح أيضا هو أن المسؤولية في ذلك مشتركة، فالوزارة والجهات المعنية تتحمل جزءا مهما من المسؤولية، في كل زيادة مفرطة في السرعة يقوم بها أي سائق، وذلك لكونها لم تقم بتوعية هذا السائق حول خطورة السرعة المفرطة، ولم تعاقبه بشكل صارم عندما زاد من السرعة، وهو ما سيشجعه، ويشجع غيره من السائقين على القيادة بسرعة مفرطة.
سابعا: السرعة المفرطة عامل مضاعف للكلفة البشرية، وفي هذا الإطار تؤكد الحملة أن أسباب الحوادث متعددة ومتشابكة، بعضها مرتبط بالطريق، وبعضها بالمركبة، وبعضها بالأخطاء البشرية.
لكن السرعة المفرطة تبقى هي العامل الذي يضاعف الكلفة البشرية والمادية لأي حادث.
فحتى في وجود طرق متهالكة، وألسنة رملية، وحيوانات سائبة، وغياب الإنارة، فحتى في وجود كل مسببات الحوادث هذه، فإن القيادة بسرعة آمنة ستقلل من عدد الضحايا عند وقوع الحادث، وستحد من كلفته المادية. أما القيادة بسرعة مفرطة، فتحوِّل الحادث الذي كان يفترض في آثاره أن تكون متوسطة إلى مجزرة ذات كلفة بشرية كبيرة.
ثامنا: التوصيات
تدعو حملة معا للحد من حوادث السير إلى:
1 - العمل على أن يكون الحد من السرعة المفرطة أولوية الأولويات في السلامة الطرقية؛
2 - إشراك الفاعلين المدنيين الحقيقيين في حملات التوعية؛
3 - تسيير الميزانيات المخصصة للتوعية والتحسيس في مجال السلامة الطرقية بشفافية تامة، وتقديم كشف سنوي بأوجه صرفها؛
4 - الانتقال من منطق تبادل اللوم إلى منطق تحمل المسؤولية المشتركة؛
5 - ويبقى الحل الأشمل، حسب وجهة نظرنا في الحملة، يتمثل في الأخذ بنداء جوك للسلامة الطرقية، وتنظيم منتديات وطنية لتفعيل بنوده التسعة عشر.
نواكشوط، بتاريخ: 30 دجمبر 2025
حملة معا للحد من حوادث السير.


