يعيش اليمن أزمة خانقة و معقدة تبعث الكثير من الشكوك و التخوفات على مستقبل هذا البلد ذي الموقع الإستراتيجي الهام. يبرر هذه الشكوك و التخوفات ما إتسمت به المواقف من الحملة الحوثية، و الإجراءات المضادة لها من تباطؤ يصل إلى حد التواطؤ. فقد سيطرالحوثيون على صنعاء دون كثير عناء. و بعد خروج هادي و ما تلاه من اللقاءات بدى و كأن الأزمة تجر إلى عدن.
ذكرني هذا الوضع حادثة عشتها عام 1994 م، حين كنا على متن ناقلة مواد كيميائية تونسية تمخر عباب المحيط الهندي فى اتجاه باب المندب، إذ تلقينا نداء إستغاثة من ناقلة غاز تونسية في المياه الإقليمية العمانية نشب حريق في محركاتها. فيممنا المستغيثة فور إستقبال النداء. و بعد زمن يسير تلقينا نبأ تمكن طاقمها من التغلب على الحريق إثر إطلاق نظام ثاني أكسيد الكربون،إلا أن النار أتت على غالب أسلاك الإمداد الكهربائية. تابعنا المسار و نحن نعد العدة لجر الناقلة إلى مكان آمن.
و بعد يوم من الإبحار وصلنا إلى ناقلة غاز في مهب الريح و حمولتها دون تبريد لتعطل المولدات و الناس في وجل، والطاقم ليست له حيلة سوى التنفيس كلما إرتفع ضغط الغاز المسال. ربطنا سببين بالناقلة المنكوبة، ثم بدأ الإبحار البطيئ جدا حتى لايتقطع سبب، و طلبنا الدخول إلى ميناء عدن، إلا أن أدارة الميناء ردت أنها غير مستعدة لإستقبال هذا الخطر الكبير. و لم تقبل الطلب إلا بعد مفاوضات على مستوى وزاري. رغم هذا كله لما وصلنا عدن لم يتح للناقلة المنكوبة الدخول مباشرة إلى الميناء و بقيت الناقلتان تدوران و بعد سحب أحد السببين علق الآخر بصخرة فاضطررنا إلى إرساله و أصبحت المنكوبة من جديد في مهب الريح حتى أوشكت أن تخرقها الصخور الحادة، فانقلب الدخول إلى عدن إلى تدخل من عدن.
إن إنقاذ اليمن من عدن لن يكون يسيرا لأسباب عدة منها ضعف الدولة و قوة القبيلة و حضور السلاح و تشعب الولاءات و تباين المرجعيات.. ففي اليمن تتداخل الأبعاد القبلية و الدينية والجغرافية و التاريخية.. فالغرب حاضر و الشرق حاضر و إن تترسا بالعرب و الفرس. و جر بؤرة الأزمة إلى عدن قد يكون سببا لتواجد القوى الكبرى فى مضيق باب المندب - بوابة الأحمر و الأبيض و الأسود- بذريعة تأمين حركة النقل البحري التى لا تسمح بتوتر أمني طويل فى هذا الممر الإستراتيجي الهام، لما له من تأثير كبير على الإمداد بالنفط و الغاز و التبادل التجاري.
والله نسأل أن يمن علينا و على اليمن بالأمن و الإيمان و السلامة و الإسلام.