يعتبر الحديث عن الحوار السياسي ومحاولة إطلاقه مع النظام الحاكم ضربا من الفضول وطلبا لما لا طمع فيه نظرا لما يتضح من عدم جدية لديه ورفضه لأي مسار من شأنه أن يقود لحلول توافقية. ورغم تظاهره الدائم بانتهاج سياسة الانفتاح والاستعداد للحوار، فإن ذلك يبقى في حدود المناورة السياسية ومحاولة شق الصف المعارض كما تشير إليه كل الدلائل، فهنالك معوقات حقيقية وجوهرية تمنع من الثقة في أي حوار معه، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر:
1- أنه لا يمتلك القدرة ولا الشجاعة للدخول في حوار وطني تشارك فيه كل الأطراف ويخرج بحلول شاملة، وليس بمستوى الترفع السياسي الذي يؤهله لذلك.
2- ان تجربته السياسية وتعامله مع كل الحوارات التي حاول الموريتانيون تنظيمها لتذليل حالة الاحتقان والأزمة الخانقة التي يعيشها البلد، أوضحت - بما لا يترك مجالا للشك- عدم جديته وتلويحه بالحوار فقط لأهداف شخصية تخدم بقاءه في السلطة. وهكذا فإن حواراته إما أن تولد ميتة أو تموت في مهدها، وفي أحسن الأحوال، عندما يكون التهديد قويا ، هنا يتنازل ويقبل التقدم في الحوار حتى النهاية، لكنه ينكث بعهده، وينتقي من مخرجات الحوار ما يضمن مصالحه الشخصية فقط، ويضرب عرض الحائط بكل ما يتعارض معها، وما اتفاق دكار منا ببعيد.
3-الطريقة المشخصنة في ممارسة الحكم من تسخير الادارة لتصفية الحسابات الضيقة وغيرها من الممارسات الأحادية التي أنتجت إرثا شخصيا ثقيلا وشكلت هاجسا يمنع رأس النظام من تسليم السلطة بطريقة طبيعية وبالتالي فهو يخطط لا محالة لأحد خيارين :
أ)-انقلاب دستوري يخوله البقاء في السلطة لفترة أطول..
ب)-فرض شخص مقرب منه لخلافته في الرئاسة كي يوفر له ظروف خروج آمن من السلطة، وكلها أمور يدرك جيدا أنها لن تمرر من خلال حوار شامل وجاد، وبالتالي فإن الحوار المرتقب إما أن يكون صوريا وشكليا أو أن لا يكون.
ومهما يكن فإن الحوار الحقيقي الجاد، الجامع لكل الطيف السياسي الموريتاني، والباحث بتجرد وموضوعية وصدق عن سبل لإخراج البلد من عنق الزجاجة، يبقى الطريق الأمثل لانتشال الوضع، غير أن الإرادة السياسية الضرورية لذلك لم تتوفر بعد لدى النظام ولن تتوفر إذا لم تفرضها المعارضة وهي قادرة على ذلك من خلال استخدام أوراق ضغطها فهذا النوع من الحوارات المضمونة يعد مكسبا ثمينا تماما كالحرية التي تنتزع ولا تعطى.