لا يسمح القانون الموريتاني باستخدام التسجيلات الصوتية المتحصل عليها من اعتراض المكالمات الهاتفية، أو أي نشاط آخر، كدليل إثبات إلا في حالة حصرية واحدة..نصت عليها المادة 26 من القانون رقم 035/2010 بتاريخ 21/07/2010 المتعلق بمكافحة الإرهاب..
يبيح نص هذه المادة اعتراض وتسجيل المكالمات الهاتفية بشروط صارمة، منها أن تقتضيه مصلحة تحقيق في جريمة إرهابية، وأن يكون بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق، ولا يخضع له بأي حال إلا المشتبه فيهم بقضايا تتعلق بالإرهاب بعد توفر أدلة كافية توحي بذلك..خارج هذه الحالة لا يمكن بأي حال استخدام تسجيل صوتي أمام القضاء الموريتاني كدليل إثبات، وذلك وفاء لمبدأ شرعية الدليل..ويتعرض المخالف للمقتضيات والضوابط المتعلقة بتسجيل المكالمات (أي من يقوم بهذا الفعل خارج الإطار القانوني المحدد في المادة 26 من قانون مكافحة الإرهاب) لعقوبة جنحية نصت عليها نفس المادة بين حدي ستة أشهر وسنتين، وهناك عقوبات أخرى تضمنها القانون المتعلق بالاتصالات لم أتذكر قدرها الآن، وهي حنحية كذلك..المقتضيات المتعلقة بالسماح باعتراض وتسجيل المكالمات الهاتفية، واستخدامها كدليل أمام المحاكم أدخلت على قانون مكافحة الإرهاب عند تعديله سنة 2010، وأثارت وقتها جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية والقانونية والحقوقية، وفي أوساط الرأي العام، مع بعض مقتضيات القانون الاخرى..حضرتُ نقاش البرلمان بغرفتيه لمشروع القانون بصفتي عضوا في مندوبية الحكومة للدفاع أمام البرلمان عن النص..وقد تصدى عدد من السادة النواب وقتها باستماتة لتلك المقتضيات معتبرين أنها مخالفة لمبادئ الحرية الشخصية وحقوق الإنسان، ومن شأنها أن تستخدم من طرف الحكومات ضد معارضيها السياسيين، وربما لا تزال مداخلاتهم ضد هذه المقتضيات محفوظة في إرشيف وسائل الإعلام التي تغطي نشاط البرلمان..أجيز القانون من طرف الأغلبية في البرلمان، وتعقبه فريق من السادة النواب أمام المجلس الدستوري فقضى بعدم دستورية بعض مقتضيات التعديل بما فيها المقتضيات المذكورة، مما استدعى مراجعتها وإدخال ضوابط حدد المجلس الدستوري خطوطها العامة تضمن عدم استخدامها إلا في إطار محدود ومقنن بدقة، لتخرج بشكلها الحالي، وأضيفت لها العقوبات المشار إليها المنصبة على القيام بتسجيلات خارج الإطار القانوني المحدد، كعامل ردع، ثم أجيزت التعديلات، وصدر النص..و في علمي لم تلجأ الأجهزة القضائية المختصة، ولا الحكومة لهذا الإجراء لحد الآن، ولم تطبق هذه المادة بعد..أما بعض الذين عارضوا إجازة استخدام التسجيلات المتحصل عليها من اعتراض المكالمات الهاتفية من طرف الأجهزة القضائية المختصة، وصوتوا ضدها، وأدلوا بكثير من التصريحات تؤكد عدم قانونيتها، وتوجسهم من إمكانية استخدامها ضد الخصوم السياسيين، فلهم موقف آخر من تسجيلات أخرى متحصل عليها بعيدا عن ميدان القانون، وذلك في إطار التدافع السياسي..حسب علمي لم تحاول النيابة العامة الموريتانية في تاريخها استخدام تسجيل صوتي كدليل أمام المحاكم إلا مرة واحدة في فترة حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطائع أثناء محاكمة متابعين في ملف عرف وقتها بملف "النفايات النووية الاسرائيلية"، (يومها كنتُ من الجمهور الحاضر فقط) وعند تقديم ممثل النيابة العامة لذلك التسجيل الذي كان مقطعا قصيرا متقطعا، سخر محاموا الدفاع منه، ومما قاله أحدهم أنه "أَسْغَيِّرْ أُمَمْدُوقْ"، واعتبروا إدلاء ممثل النيابة العامة به جريمة نكراء، ومخالفة فجة لمبدأ "شرعية الدليل" المعترف به في جميع نظم الإثبات في العالم..في النهاية ركنت المحكمة إلى وجهة نظر الدفاع، وردت على النيابة العامة تسجيلها، وصرفت النظر عنه، ولم تعتبره مطلقا لعدم شرعيته..