دخلت العلاقات الموريتانية الجزائرية مرحلة نوعية من التصعيد بعد توجيه تونس نداءً إلى الطرفين تدعوهما لمنع إصدار تصريحات عدائية فيما بينهما. وبدورها فإن وزيرة الخارجية فاطمة بنت اصوينع رغم إصرارها غير المباشر على أن سلوك الدبلوماسي الجزائري بلقاسم الشرواطي لا يرتقِ
للدبلوماسية والعلاقات بين البلدين الجارين.. وتأكيدها على أن "العلاقات الموريتانية الجزائرية متميزة ولا وجود لأي شيء يؤثر عليها" عملاً بمقتضى المثل الحساني: "اللِّي أَكْثَرْ مَنَكْ أَرْيُوكْ لَا تَسَافْ مْعَاهْ أَدْكِيكْ" أي بمعنى: "من يفوقك ريقاً، إياك والتسابق معه في أكل الدقيق"، وفي المقابل وبالتحديد في نهاية شهر الكذب، أبريل/ نيسان جاءت زيارة المبعوث الخاص للرئاسة التونسية السيد/ لزهر قروي الشابي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، فك الله أسره، لتقوم على أنقاضها إيحاءات دعائية تدعو للخفض من حدة اللهجة المستخدمة بين الجانبين والتي أطلق شرارتها متسولون أو مسؤولون جزائريون واصفين خلالها الشعب الموريتاني بالأوباش وناكري الجميل نتيجة تقليص الحكومة الموريتانية للتمثيل الدبلوماسي الجزائري في موريتانيا.
ربما تكون الحكومات العربية قد تعودت على الكذب على شعوبها باستغفالهم فكرياً إلا أن فاتورة المن والأذى التي تلقاها الشعب الموريتاني من صدى الجارة الجزائرية جعلت من نفي وزيرة الخارجية الموريتانية منت اصوينع للأزمة الدبلوماسية العاصفة بين موريتانيا والجزائر أسخف من نعتها بكذبة أبريل أو سحابة صيف أحرى نفيها جملة وتفصيلاً.بدأ النزاع الموريتاني الجزائري مع بداية حرب الصحراء ولا أريد هنا إثارة هذا الملف نظراً لحساسيته والاجتهاد في اختصار الحديث، ولم يعد هناك سر نخفيه بعد مّن الجزائر علينا بإلغاء ديون مستحقة على موريتانيا تقدر بمئتي مليون دولار، الجزائر طالما شكّلت مصدر إغلاق لأراضينا الشمالية فمخابراتها التي لعبت دوراً كبيراً في إرهاب المواطن الجزائري خلال السنوات العشرية استهدفت بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق منظمات الاحتيال والإرهاب منشآتنا الاقتصادية والعسكرية وظل هذا المسلسل المرعب مستمراً إلى أن أعلنت شركة "نفتك" إفلاسها في موريتانيا بسبب نهب الجزائريين لأموالها، ثم تلا ذلك تنازل الحكومة الموريتانية عن 42% من حقل تاودني الغني بالغاز لصالح الجزائر على إثر اتفاقية مشتركة بين الجارتين بعد صراعات طويلة سقط ضحاياها في عمليات لمغيطي وتورين إلخ...
إذن المغالطات التي أطلقها بعضهم حول كرم الجزائر عارية تماماً عن الصحة، فالموريتانيون إنما استرجعوا بعض مستحقاتهم من الجزائر لذلك قل يا موريتاني للجزائر: "لا تمنوا علي إسلامكم!" ثم إن ضخامة التصعيد الإعلامي الجزائري الذي بلغ ذروته من العداء دفعنا إلى انتظار الرد المؤلم على حد تعبير دبلوماسيين جزائريين لنجد في الأخير أننا لم نخرج بعد عن إطار المثل الحساني الذي يقول: "العَيْطَة اَكْبِيرَة وَالمِيَتْ فَارْ" أي بمعنى: "الصرخة كبيرة، والقتيل فأر" وأن البيت الشعري الوارد في الفرزدق وارد هنا جداً حيث يقال:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا*** أبشر بطول سلامة يا مربع
وفي الوقت ذاته لا نستطيع أن نتعامى عن الدور الكبير الذي يمكن للجزائر أن تلعبه في مكافحة تزايد المخاطر الأمنية الجديدة على منطقة المغرب العربي برمتها من جهة وتزايد الفرص التي تضيعها الجزائر على هذه البلدان لتعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها ولتكون شريكاً تنموياً فاعلاً في منطقة المتوسط الشمالية إذ سينعكس ذلك سلباً على حياة المواطن المغاربي حيث يذكر خبراء بأن بلدان المغرب العربي تخسر فيما يخص الناتج المحلي الإجمالي نقطة ونصف نقطة ويُعتبر كسب نقطة واحدة منشطاً للدورة الاقتصادية بشكل يسمح بخلق عشرات الآلاف من فرص العمل لكل مواطن وفي كل بلد وفي كل عام.
وخلاصة الأمر تمسكت الحمامة الموريتانية بعلاقاتها مع الثور الجزائري مع تعنتها الشديد في موقفها من العميل الجزائري الشرواطي، بينما في المقابل اكتفى الثور الجزائري بالصمت والإفشاء عن وساطة تونسية لحل الأزمة. وما بين إصرار الجزائر على رد الاعتبار لكرامة موظفها الدبلوماسي وعميلها الشرعي بلقاسم الشرواطي من جهة وبين تشهير الخارجية الموريتانية في مؤتمرها الصحفي بهذا الأخير بطريقة مبطنة من جهة أخرى، يبقى هذا السؤال مطروحاً: هل يا ترى ستنجح الوساطة التونسية في حل الأزمة الموريتانية الجزائرية بعدما تم اختراقها من كل الأطراف؟!