الحياة الكريمة مطلب شرعي لكل إنسان، وقد جاءت جميع الديانات والتشريعات والدساتير العالمية لإقرار هذا الحق وتقريره لكل إنسان، ومن المسلم به أنّ الحياة التي يكدر صفوها المرض المستعصي على العلاج محليا الممكن في مكان آخر هي حياة غير كريمة وخصوصا إذا ما كان الدواء ممكنا وبطرق مشروعة بسيطة على البعض مستعصية على البعض الآخر.
ولعل الحالة التي أتناولها من بين هذه السطور هي في البعض الأخير الذي يتعذر عليه العلاج نظرا لانعدام الوساطة للحصول على حقه المشروع، أو الجاه أو المال. هذه القصة تتلخص في أب يرى ابنه يسير إلى الموت من بين يديه ويبقى عاجزا عن إيجاد الدواء اللازم له مع تَيَسُرِ ذلك العلاج وسهولة الحصول عليه؛
فالأب موظف بسيط في الدولة ولديه تأمين صحي ولكنه من الدرجة التي لا ينظر فيها إلا إذا كان الأمر يتعلق بفحص ببضعة آلاف سبق وأن سحبت منه أضعافها مرات ومرات، ففي وطني موريتانيا هناك من يتم رفعه إلى الخارج لإجراء عملية قيصرية أو حتى -أكرمكم الله- لإجراء إجهاض أراده البعض أن يتم بعيدا عن أعين الناس، لكن البعض الآخر يموت حسرة ومعاناة وبطول انتظار، لأنه ببساطة شديدة ليس في عائلته وزير ولا وجيه ولم يتعود هو نفسه على التملق والتزلف.
بعد طول انتظار وتردد في الكتابة في هذا الموضوع، ها أنا ذا أكتب عن معاناة أسرة تريد انقاذ ابنها وانتشاله من الوضع السيئ الذي يعيشه وسعيها الدؤوب في الحصول له على حقه في الحياة الكريمة. طفل في الخامسة من عمره على الرغم من صغر سنه إلا أن المعاناة التي يعيشها تذكر بأيوب وصبره على البلاء؛
فرغم حداثة سنه يعاني الصغير من فتق في البطن فوق الصرة يكبر حجمه يوما بعد يوم حتى أنه أصبح يمنعه من ممارسة حقوقه المرتبطة بطفولته.
لم يبق طبيب ولا أخصائي أطفال إلا ودق بابه والجميع يؤكد على ضرورة إجراء العملية له وفي أقرب وقت ممكن وبما أنّ الأسرة فقيرة فقد أرادت معالجته محليا وبكل الطرق المتاحة وبعد إحالة ملفه إلى المخدر لبرمجة العملية وجد أنّ الأمر من الصعوبة بمكان نظرا لمعاناة الصبي من مشاكل صدرية (الظيك) وقد تودي العملية بحياته وللقضاء على هذا العائق استمرت الأسرة في معاودة الطبيب فترة طويلة من الزمن تناهز السنة لكن الطبيب عجز عن إيجاد حلول للمشاكل الصدرية وبالتالي أحاله إلى أخصائي أخر في المستشفى الوطني ولم تجد علاجاته نفعا هو الآخر، وفي الأخير كان المخدر نصوحا على العكس من الجراح الذي لا همَّ له إلا شقُ البطن وخياطة الجرح وزيادة رقم الموتى بصبي لا ذنب له في هذه الحياة، وبما أنّ الشفاء مرتبط بإجراء العملية فقد أخبرنا المخدر أنّ هذا النوع من العمليات يحتاج إلى تخدير خاص لا يتوفر في موريتانيا ويمكن الحصول عليه في تونس أو غيرها من الدول المتقدة طبيا...
وهنا وقف حمار الشيخ في العقبة ودخلنا في عقدة يصعب حلها بالرغم من وجود المفتاح الذي يساعد على حلها فكما سبق أن ذكرت فالصغير لديه تأمين صحي ولكنه تحول إلى تأمين على حتمية الوفاة والضياع.
وعليه فإنّي أشكو بثي وحزني إلى الله وأطلب من كل من وصل معي إلى هنا الدعاء له بالشفاء وأخيرا أمرر الرسائل التالية:
أولا: إلى رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز: اتق الله في رعيتك وساو بينهم في وجهك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولاييأس ضعيف من عدلك، تأس بعمر بن الخطاب الذي كان يلوم نفسه إذا عثرت بغلة في العراق لماذا لم يمهد لها الطريق. الآن هناك طفل هناك طفل يخطو نحو الموت خطوات متسارعة وحتى لا يلحقك شيء منه لا يريد منك سوى حقه في الدواء والعيش الكريم.
ثانيا: إلى وزير الصحة: إذا كنت قد تباهيت وافتخرت بأنّ الصحة في موريتانيا تسير على خطاً حثيثة نحو التطور والتقدم فاعلم أنّ هناك صبيا يسير على خطاً حثيثة نحو الموت والسبب هو التمييز الصحي في وزارتكم؛ فالأغنياء يتم رفعهم إلى الخارج لعلاج ألم الرأس والتخمة، والفقراء يتم رميهم في ثلاجات المستشفيات.
ثالثا: إلى الصندوق الوطني للتأمين الصحي: افتحوا صندوقكم هذا للفقراء فهم وطنيون أكثر ممن تمنحون تذكرات السفر والشيكات المفتوحة للقيام بالسياحة الدوائية.
رابعا: آخر الدواء الكي؛ وإذا تعثر الحصول على الحق بطرق الحق يبقى باب الخير مفتوحا فللخير أبواب لا توصد كلها (( إنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا)) ولن يغلب عسرٌ يسرين.