كان من قضاء الله أني كنت بالأمس في ضيافة صديق عزيز علي من هذه البلاد التي أقيم فيها ( دولة قطر الشقيقة ) وقد شغف هذا الرجل بحب الشناقطة وبضاعتهم التي يصدرونها ،وعرفوا من خلالها في الشرق والغرب ،فهو دائب التنقل بين الفقهاء والعلماء الموريتانيين المقيمين هنا ،
وسبق له ان رحل إلى موريتانيا فنهل من نمير بعض شيوخ محاظرها ،مما ولّد لديه تعلقا وشوقا بالثقافة الشنقيطية عموما ،وبالطريقة المحظرية في تلقي العلوم على وجه الخصوص ،وكنت وإياه نشاهد على قناة المحظرة الفضائية درسا من نظم الغزوات للعلامة أحمد البدوي بن محمدا المجلسي الشنقيطي ،يستضيف هذا البرنامج شيخا من أعلامنا المتميزين ،فالتفت إلى صاحبي ،فقلت له : إن هذا الرجل الذي هو أمامك من أمهر الموجودين الآن من علمائنا في فن السيرة النبوية وأنساب العرب – حسب علمي – ثم واصلنا متابعة البرنامج من أوله حتى نهايته ،فالتفت إلي الرجل قائلا : جزى الله رئيسكم الحالي خير الجزاء على إنشاء هذه القناة ،فقد أدخل علينا في بيوتنا علوما ما كنا لننالها حتى نبذل غالي أوقاتنا ونفيس أموالنا من أجل الجلوس إلى مثل هؤلاء العلماء الأفذاذ ،فذكرني بكلامه هذا أنني قد شرفت - بعد الانتخابات الرئاسية الماضية بداية شهر رمضان – بلقاء فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في مكتبه بالقصر الرئاسي للسلام عليه وتهنيئته ،وأذكر أنه سألني " هل تتابعون قناة المحظرة في البلاد التي تقيمون فيها ؟" فرددت عليه قائلا : هي مفخرة وأي مفخرة ،فنحن بحمد الله تعالى لكأننا الآن نقيم في المحظرة من خلال متابعتنا في بيوتنا لبرامج تدريس المتون العلمية التي تبثها هذه القناة الفضائية الرائدة . لقد أدركت من خلال سؤال فخامته عن قناة المحظرة بالذات – إذ لم يسأل عن شيء آخر مما تحقق إبان مأموريته الأولى – أن مشاريع وبرامج هذه القناة تنفذ وفق رؤية وفكرة ثاقبة تحظى باهتمام رئيس الجمهورية ،وتحت سمعه وبصره ،وبتوجيه مباشر منه .ان شعور صديقي الذي كنت معه بالأمس ليس واقعة عين ،بل هو شعور الكثير من طلبة العلم ومحبيه الذين ألتقي بهم ،فبعضهم قال لي إنه لا تفوته حلقة واحدة من حلقات تدريس المتون في قناة المحظرة الفضائية ،والكل متظاهرون على أن فكرة هذه القناة طالما انتظروها ،ووقعت منهم موقعا لا يعبر من غبطتهم وسرورهم بها ،وما ذلك إلا لما جرب اليوم في العالم الإسلامي من جدوائية ونجاعة الطريقة المحظرية ،بعد ما سئم الكثير من طلبة العلم الطريقة المدرسية الأكاديمية في تدريس العلوم الشرعية واللغوية التي غالبا ما يكون الطالب فيها على نيل الشهادة أحرص منه على ما يتلقاه من معلومات لا تلبث أن يتبخر الكثير منها بعدما يتأكد من النجاح في الامتحان ،بعكس الطريقة المحظرية التي تتفنن في أساليب تثبيت المعلومة عن طريق التدرج في المراتب التي ذكرها العلامة محمذن فال بن متالي رحمه الله تعالى :
كتب إجازة وحفظ الرسم ++ قراءة تدريس ،اخذ العلم .ومن يقدم رتبة عن المحل ++ من ذي المراتب المرام لم ينل .
إن فكرة قناة المحظرة الفضائية فكرة جد موفقة وصائبة ،وتجربة إعلامية رائدة ،وإضافة نوعية إلى الإعلام السمعي البصري في بلادنا ،فنحن في موريتانيا لم يرتفع صيتنا وذكرنا في الشرق والغرب بسبب تجارب أطبائنا ولا خبرات مهندسينا ،ولا حتى بشهرة رياضيينا – مع تقديرنا لكل جهود أولئك - بل ارتفع صيتنا وذكرنا شرقا وغربا من خلال سفراء الشناقطة خريجي هذه المحاظر من أمثال :
محمد محمود بن التلاميد ومحمد الاقظف بن خي وأبناء ميابه ومحمد الأمين بن فال الخير وأحمد بن الأمين وآب بن اخطور ... الخ .
فهاهو الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز اليوم يرد ديونا مستحقة لتلك المحاظر ولشيوخها ولخريجيها عن طريق العديد من الإنجازات التي كان من بينها انشاء هذه القناة الفضائية التعليمية ،التي يبتغى منها أن تعيد إلى جهود المحظرة الشنقيطية نضارتها ونصاعتها عبر تقديم تلك الجهود إلى العالم الإسلامي أجمع في منهج معاصر تربوي فريد يستخدم أحدث التقنيات الحديثة المتوفرة اليوم في المجال السمعي البصري .