"مذكرات غوانتانامو" هي سيرة ذاتية تدفع القارئ للبكاء في لحظة والضحك في أخرى، يتميز كاتبها بخفة الدم والقدرة على التأمل، فهو يتمتع بسعة صدر حتى في أقصى اللحظات وأكثرها إذلالا.
الكاتب هو الموريتاني محمدو ولد صلاحي، والموجود في المعتقل الأميركي في كوبا منذ 14عاما.
الكتاب، الذي يروي قصة اعتقال ولد صلاحي وتعذيبه وحياته في المعتقل، أصبح على قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة بعد نشره بداية هذا العام.
وتُعد هذه أول سيرة ذاتية ينشرها سجين أثناء تواجده في المعتقل، وتُرجم هذا الكتاب إلى عدة لغات وبيع في أكثر من 20 دولة، والشهر المقبل سيتم نشر النسخة العربية من هذه المذكرات من قبل "دار الساقي" في بيروت.
قصة ولد صلاحي (44 عاما) هي القصة الكلاسيكية للشخص غير المحظوظ المتواجد في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ.
وُلِد وِلد صلاحي في موريتانيا ولكن أكمل دراسته الجامعية في ألمانيا.
أثناء تواجده هناك ذهب إلى أفغانستان في التسعينيات للقتال ضد السوفييت، إلى جانب المجاهدين الذين كانت تدعمهم الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
بعدها انتقل وِلد صلاحي إلى كندا ومن ثم عاد إلى بلده الأم.
بعد أحداث 11 سبتمبر وأثناء تواجده في موريتانيا، تم اعتقال ولد صلاحي ونقله، بطلب من الـ"سي.أي.إيه"، إلى "غوانتانامو" بعد مروره بمعتقل "باغرام" في أفغانستان.
تقول الحكومة الأميركية إن ولد صلاحي ينتمي لتنظيم القاعدة، وترفض إطلاق صراحه، إلا أنها لم توجِّه أي تهم ضده ولا تخطط لذلك رغم أنها تشير إلى علاقة عائلية بينه وبين أحد معاوني أسامة بن لادن، والذي تزوج شقيقة زوجة ولد صلاحي.
هِنا شمسي، وهي إحدى محاميات وِلد صلاحي ومسؤولة "برنامج الأمن الوطني" في "اتحاد الحريات المدنية"، تقول إن فكرة الكتاب بدأت حين كان صلاحي يكتب رسائل تفصِّل تجربته لمحاميه ليساعدهم في تمثيله بصورة أفضل في المحكمة.
وتضيف: "استغرق الأمر سبع سنوات من التفاوض والدعاوى القضائية ضد الحكومة لغاية أن تمكَّنا من نشر الكتاب.
وحتى بعد كل هذا، قامت الحكومة بحذف أكثر من 2500 عبارة وكلمة منه"، كاشفةً أن العبارات والكلمات المحذوفة تشير في معظمها إلى أسماء المحققين والحراس، لكن بعض الأجزاء المحذوفة هي قصائد كتبها ولد صلاحي.
وأبقت جميع نسخ الكتاب بترجماتها المختلفة على هذه "البقع السوداء" التي تذكر القارئ بشكل مستمر بمدى عملية الرقابة.
"مذكرات غوانتانامو" غنيّة بالكثير من اللحظات الإنسانية، وتلك الفكاهية والمحزنة.
وأحيانا كل ذلك في آن واحد، كما كتب ولد صلاحي في الفقرة التالية عن عملية نقله عبر الطائرة من معتقل إلى آخر:
"انتابني شعور رهيب عنما وضعوا في أذني سدادات شبيهة بسماعات الأذن، ظننت أنها طريقة أميركية جديدة لامتصاص المعلومات من الدماغ وإرسالها مباشرة إلى كمبيوتر رئيسي لتحليل المعلومات.
لم أكن خائفا مما يمكنهم امتصاصه من دماغي، لكني كنت خائفا من الألم الذي قد أعانيه خلال الصدمات الكهربائية، كان الأمر سخيفا، فحين ينتابك الخوف لا تعود أنت أنت، بل تصبح طفلا صغيرا مرة أخرى".
من جهته، يلوم محفوظ وِلد صلاحي، وهو شقيق محمد ويعمل كمهندس كمبيوتر في ألمانيا، الحكومة الموريتانية على مأساة أخيه، ويقول إن من يقرأ الكتاب سيكتشف براءة وِلد صلاحي من الاعترافات التي اضطر إلى قولها تحت التعذيب.
ويشرح: "من يقرأ التحقيقات في الكتاب يعلم أنها فقط تلفيقات.
كانوا يقولون له:
أنت تعرف فلان أو فلان، أنت كنت تصلي معه في كندا أو فرانكفورت"، مضيفاً: "الخلاصة إنها عبارة عن مؤامرة دنيئة تعرض لها أخي".
أما شمسي فتختم قائلةً:
"ما نتعلمه عن التعذيب من خلال المذكرات هذه هما أمران: الأول أن التعذيب مؤلم، الثاني أنه يؤدي إلى معلومات خاطئة ومختلقة".