تخيلتُ أن "رئيس الفقراء" في موريتانيا سارع إلى إغاثة ضحايا السيول في مقاطعة "أمبود" المنكوبة، وأنه فعل ما فعله ذات يوم رئيس الفقراء في فنزويلا،والذي كان قد فتح أبواب قصره لاستقبال 25 أسرة فقيرة تضررت من الأمطار والفيضانات، بل إنه أكثر من ذلك فقد أعطى تعليماته الصارمة لكل عمال قصره الرئاسي، بضرورة الاهتمام بضيوف القصر من الفقراء المتضررين من الأمطار إلى أن يتم توفير مساكن لهم بدل مساكنهم التي هدمتها السيول والفيضانات.
وتخيلتُ أيضا أن "رئيس الفقراء" في موريتانيا سارع إلى إغاثة ضحايا السيول في مقاطعة "أمبود" المنكوبة، وأنه فعل ما يفعله في العادة رئيس الفقراء في الأرغواي لمشردي بلده، والذي يخصص لمن لم يجد منهم ملجأ في المراكز المخصصة لإيواء المشردين أجنحة قصره يقيم فيها إلى أن يوفر له مسكنا بديلا.
وتخيلتُ أيضا أن الرئيس تبرع لمنكوبي أمبود بخمسة ملايين أوقية من حسابه في "سوسيتيه جنرال" مثلما تبرع في وقت سابق وبنفس المبلغ للمنتخب الوطني. وتخيلتُ كذلك بأنه طلب من كل من تبرع للمنتخب الوطني أن يتبرع لمنكوبي أمبود.
ثم تخيلتٌ بأني شاهدتُ وزير التوجيه الإسلامي وهو يتبرع ـ وبحماس ـ لمنكوبي أمبود، كما شاهدته ذات مرة وهو يتبرع بحماس للمنتخب الوطني.
وتخيلتُ أني شاهدت كل تلك الأفواج التي شاهدتها ذات يوم وهي تتزاحم عند باب التلفزيون للتبرع للمنتخب الوطني، تخيلتُ أني شاهدتها اليوم وهي تتزاحم عند مدخل مدينة أمبود للتبرع لضحايا السيول الأخيرة. وتخيلتُ أني شاهدت كل أولئك الذين جاؤوا بأبنائهم ليتبرعوا للمنتخب الوطني، بأني شاهدتهم اليوم وهم يأمرون أبناءهم للتبرع لأطفال الأسر المنكوبة في مقاطعة أمبود، بنفس المبالغ التي تبرعوا بها ذات يوم للمنتخب الوطني.
وتخيلتُ أيضا أن "رئيس الفقراء" أمر بصرف شيء من المليارات المكدسة في خزائن البنك المركزي على ضحايا السيول في مقاطعة أمبود.
تخيلتُ أشياءً كثيرة، ولكن لم يحدث شيئا مما تخيلت، وذلك رغم مرور عدة أيام على كارثة أمبود.
إن كل أولئك الذين تبرعوا للمنتخب الوطني ولم يتبرعوا لمنكوبي أمبود، إنهم يثيرون شفقتي أكثر من فقراء أمبود المنكوبين، فكيف لا يثيرون شفقتي وهم كانوا قد تسابقوا للتبرع للمنتخب الوطني لما طلب منهم الرئيس ذلك، وتقاعسوا عن التبرع لمقاطعة هي من أكثر مقاطعات الوطن فقرا، وقد تعرضت لسيول هدمت سبعمائة منزل في الشهر الكريم.
فلماذا سارعوا إلى التبرع للمنتخب الوطني وتقاعسوا عن التبرع لمقاطعة أمبود؟
قطعا إن البحث عن الحسنات لم يكن هو غايتهم يوم تبرعوا للمنتخب الوطني، ولم يكن أيضا هو غايتهم يوم أحجموا عن التبرع لمقاطعة أمبود في الشهر الكريم.
ولم تتوقف تخيلاتي عند هذا الحد، فلقد تخيلتُ أيضا بأن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة قد فتح باب التبرع لمنكوبي أمبود أمام الأقطاب المكونة له، وتخيلتُ أنه فعل ذلك بحثا عن الأجر في الشهر الكريم، وأنه فعله أيضا من باب ابتداع أساليب جديدة لكشف عيوب النظام القائم.
حفظ الله موريتانيا..