ما إن تم الإعلان عن سنة 2015 سنة للتعليم من طرف السلطات العليا للبلد، حتى استبشر الجميع خيرا و امتلأت النفوس أملا ، لما يعنيه اصلاح هذا القطاع من نهضة شاملة، على جميع المستويات و ما لذلك من انعكاس إيجابي على مختلف القطاعات الآخرى ، لارتباطها الوثيق بالعملية التعليمية ،التي يتوقف عليها نجاح هذه القطاعات في مهامها كل حسب اختصاصه .
و ما إن انقشع غبار هذا الإعلان ، و تفاجى دخان وقعه اللا مؤثر ، و خبت الدعاية المروجة له من كل المنابر ، حتى ظهر أنه مجرد إعلان فارغ المحتوي ، انعكست فيه الدلالات و اختلطت المفاهيم ، ليتحتم على المتتبع المهتم بقراءة معانيه و دلالاته الرجوع إلي أكثر من قاموس و معجم ، ليدرك حقيقة ما ينسب إلي الوزارة المكلفة بتجسيده من تهذيب ، حيث سيتفاجأ بأن أكثر المرادفات مطابقة لهذا التهذيب هي :
التعذيب :
و يتجلى هذا المفهوم فيما يعانيه موظفو القطاع الميدانيين ، من تحويل تعسفي و زبوني و حرمانهم من أبسط حقوقهم المادية و المعنوية ، ليقول الوزير في برنامج " الحكومة في ميزان الشعب" أنه يكفي المعلم من تحسين ظروفه المعيشية وجود دكان من دكاكين برنامج أمل بالقرية التي هو فيها .
ناسيا أن المعلم و الدكان يعملان بنفس الدوام ، و بالتالي لن يجد وقتا للوقوف في طابوره الطويل الممل و المضيع للوقت، و أردف الوزير قائلا :
إن المعلم ليس جديرا بالاحترام ، لمظهر هندامه الذي يظهر به أمام التلاميذ .
التخريب :
الذي بدأ ينخر جسم العملية التعليمية في الصميم ، بعد إسنادها لمتعاقدين عاجزين أصلا عن صياغة و كتابة طلبات تعاقدهم تعبيرا و إملاء ، و اعتماد مناهج تعليمية لا تلبي حاجة للمتعلم ، و تحتاج إلي أكثر من إصلاح لتتماشى مع متطلبات العصر وتطورا ته ، كما تم تطبيق أساليب تعليمية بطرق ارتجالية غير محضر لها ، أربكت المعلم و المتعلم والمشرف على حد سواء .
التغريب :
الذي يتجلى في السماح لمدارس حرة أجنبية غير مراقبة ، باعتماد مناهج لا تطابق المنهاج الوطني ، ليجد من ارتاد هذه المدارس - مكرها لا بطلا - نفسه غريبا ثقافيا و أخلاقيا في وطنه ، لتشبعه بثقافة و أخلاق قوم آخرين .
التسييب : فمن ذا ينكر وجود أعداد معتبرة من أطر و عمال قطاع التهذيب ، بشتى أصنافهم و رتبهم يمارسون أنشطة لا علاقة لها بالقطاع ، في الوقت الذي يتمتعون فيه برواتبهم و علاواتهم و امتيازاتهم كاملة أو تزيد ، و يتم غض الطرف عن هؤلاء عمدا ، ليبلغ بهم التسيب و إلغاء الحبل علي الغارب أعلى درجاته ، ليمارسوا أنشطتهم خارج الوطن في إجازات مفتوحة و معوضة .
و أخيرا وليس آخرا يأتي :
التسريب :
آخر مسمار يدق في نعش التهذيب ، ليبدأ الحصاد الحتمي للسياسات الفاشلة المنتهجة في التعليم ، و تتلاشى آمال الأمة الموريتانية في الحصول على أجيال متعلمة ، تحمل مشعل التقدم و الازدهار ، لكسب رهان البقاء وسط عالم لا يعترف بالفاشلين ، و لا مكان فيه للجهلاء ، ليتأكد أن إصلاح التعليم يتطلب أكثر من إعلانات جوفاء .