يتراءى للمتابع لسياسات التحكم والإخضاع لدى النظام الحالي أنه –رغم فشله في جوانب كثيرة منها وخاصة السياسي- إلا أنه "نجح" نجاحا باهرا في التعامل مع الإعلام والسيطرة عليه وتحويله من "مجال متحكم فيه" لدى الأنظمة السابقة إلى "أداة تحكم" هي اليوم من أكبر الأسس التي يعتمد عليها النظام للبقاء.
اعتمدت استراتيجية تحويل الإعلام إلى "أداة تحكم" على كل "الاكتشافات" السابقة لنظام ولد الطائع فطبقت حرفيا تجربة تمييع الإعلام المكتوب على الإعلام الألكتروني ففرغت العناصر البوليسية للإنشاء المواقع ودعمت القطاع بالفتات الذي يستهوي "الساقطين اللاقطين".
لكن هذه الاستراتيجية –التي تشهد الدلائل أنها وضعت من مقربين من ذوي الخبرة الإعلامية- رأت أن من أسباب سقوط ولد الطائع تفلت الإعلام الألكتروني الناشئ –حينها- من بين يديه وحصول المعارضة التي سبقت إليه على متنفس جديد، فقرر النظام الحالي أن يسبق إلى المجال السمعي البصري الصاعد و"يجيره" لصالحه.
اقتضت الخطة دفع رجال الأعمال المقربين من النظام إلى امتلاك قنوات خاصة، رغم أن البلد لم يشهد في تاريخه استثمارا في الإعلام المكتوب ضعيف التكفلة! ولا في النشر ولا أي مجال له علاقة بغير المواد "الاستهلاكية" وبالمقابل ضمن لهؤلاء التجار احتكار صفقات خيالية لضمان تمويل هذا المشروع العملاق (صفقة أمل 2012 لمالكي قناة الساحل نموذجا)، كما ضمن لهم احتكار هذا المجال لفترة حتى لا يضاررهم أي منافس، فكانت الدفعة الأولى من القنوات والإذاعات محتكرة كلها –باستثناء إذاعة صحراء ميديا- على الحاشية! وكان الضحية الأكبر لهذا الاحتكار أكبر مشروعين منافسين: تلفزيون صحراء ميديا، وإذاعة السراج!
وبعد أن لجأت بعض القنوات الخاصة إلى البث من الخارج اضطر النظام للتخلي مؤقتا عن خطة تجيير المجال السمعي البصري وفتح مجالا لهذه القنوات، لكنه وضع الجاد منها في وضعية غير تنافسية: من منع الإعلانات العامة والخاصة ومحاولة شراء خط التحرير حتى يجاري الخط العام للإعلام بمختلف وسائطه الذي صار لا طعم له ولا ريح، وقصارى ما يقدمه من "مزعجات" تقرير عن حالة إنسانية، أو خبر عن بعض طوابير المعتصمين التي أصبحت ظاهرة ممجوجة!
وموازاة مع السيطرة على الإعلام "الحر" وتجييره لصالح النظام تحت مسمى "تحرير المجال السمعي البصري" اقتضت الخطة تحويرا اسميا للإعلام الرسمي صار بموجبها إعلاما عموميا دون أي تغيير باستثناء تعيين إحدى الحاشية على التلفزيون الرسمي! وهو أمر تقول بعض الروايات إن له علاقة بوضع إمكانيات هذه القناة تحت تصرف "الإعلام الحر" ومن أبرز الأمثلة على ذلك نقل إحدى القنوات الخــــــــــــاصة المباشر لمهرجان ولد عبد العزيز الانتخابي من كيهيدي رغم احتياج هذا النقل لمعدات لا تتوفر لدى القنوات الناشئة!
وغير خاف ما تقوم به مديرة التلفزة الرسمية من "إخراج" للمسرحيات الإعلامية التي يخرج فيها الرئيس منذ توليها لهذا المنصب، ابتداء من تحديد المدعوين إلى الإشراف على الجوانب الفنية، إلى التقويم والاستدراك! حتى إن الجميع مقتنع إنها وزيرة الإعلام في "الحكومة الخفية" وأحد الأركان الأساسية في الفريق المشرف على تنفيذ كل "استراتيجية تجيير السمعي البصري" وتحويل الإعلام ككل إلى أداة تحكم وإخضاع!
هذا بوضوح شديد هو الإطار الذي جاء فيه ما سمي "تحرير المجال السمعي البصري" وليست الهوامش الخارجة عنه إلا غطاء تمرر من تحته هذه السياسة الماكرة، سواء أقبل الانسياق تحت (الحرية الأليفة) فساهم في تمييع الإعلام وتلميع النظام؟ أم حاول استغلال الشعار المرفوع فواجه من العقبات ما يذكره بأن الشعار مجرد شعار!