في الجذع المشترك في التقنيات والعلوم كثيرا ما كنا نتأمل ونحاول الإختيار في التخصصات لأن القرار بالدخول في التخصص كبير الأهمية لما له من ببالغ الأهمية فيما بعد .واقعيا كالعديد من الذين يأنفون عن التخصصات السهلة ويتطلعون إلي ما هو أصعب لم أكن لأرضي بالهندسة المدنية وما شاكلها .
في جامعة وهران لم تكن هناك قائمة تخصصات كافية لذا توجهت إلي جامعة العلوم والتكنلوجيا الذين عرضوا علي قائمة بالتخصصات استوقفتني الهندسة الطبية رغم أنها أصعبها .لكن المفاجئة كانت بعد المجيء إلي موريتانيا فالتخصص لا رصيد له من الأهمية ولا من الإعتبار وفي أحسن الأحوال ينظر إليه باعتباره صيانة الأجهزة ولو كانت الدراسة أكاديمية .في نهاية المطاف ورغم كل الأماني التي كنت تحدث بها النفس ورغم كل القيمة العلمية التي كنت تتوهمها ، أنت هنا في حكم الواقع فني صيانة لأجهزة لا مسؤولية عنها وفي السلم الإداري في الأسفل حتي أن عملك لا حاجة له فهاوي لا دراسة له سوي التطفل يمكن أن يسد الحاجة إليك .في موريتانيا ورغم التصريحات المتكررة لرئيس الدولة بأن البلاد تحتاج طواقم متخصصة في الأجهزة الطبية فهناك حشد شعبي من المهندسين الطبيين مكتوفي الأيدي ومنهم من غادر البلاد ومنهم من عمل في غير تخصصه .في المستشفيات تواجهك قرارات تصعب التعاقد خارج إطار من اتخذتهم الوزارة ...... وهذه الأخيرة هي بيت الداء فطواقهما غير مكترثة بأي متخصص وتنتشر فيها كحال كل الإدارات الزبونية والمصلحية والتهاون والإهمال .تري ما هو أفق قطاع صحي يسعي إعلاميا للتوسع وزيادة المخزونات من المعدات الطبية بينما يسعي عمليا لتهميش المتخصصين فيها فاتحا الباب إلي عديمي الدراية والخبرة للتحكم في معدات تكلف الدولة ميزانية كبيرة وقد تساهم إن حسن استعمالها في تحسين الوضعية الصحية في البلد .كيف تستقيم الإرادة السياسة المعلنة للنهوض بالقطاع الصحي مع خطوات مثل التفريط في المتخصصين في الهندسة الطبية في مقابل التمكين المستمر في الوزارة لمفسدين لا رصيد لهم سوي من الفساد وتضييع المسؤولية .من المؤسف أنه لا حياة لمن ننادي ، فلا أحد يتحمل المسؤولية ولا يهتم بالتحديات الراهنة .ولكن من باب إبراء الذمة وإحقاق الحق يجب أن يطلع الرأي العام علي أن هناك تفريطا كبيرا في تخصص لا يزال جديدا علي الدولة و تحتاجه لكن البيروقراطية تعمل علي تفريغ هذه القدرات وإهدارها .وهذا نداء إلي من يهمه مصلحة القطاع الصحي وما أقله إلي اتخاذ إجراءات عاجلة للإهتمام بالتكوين والتدريب والتوظيف لمهندسين طبيين موريتانيين بدلا من الإعتماد علي الأجانب .وأول خطوة للإصلاح هي هدم الفساد في الإدارات التابعة لوزارة الصحة التي ينخرها حتي النخاع .وإلا فإن البلد سيظل يرسل المرضي إلي الدول المجاورة في الوقت الذي يمكنه أن يبني مقومات لصحة وطنية قادرة علي الإستجابة للحاجات وأخذ زمام المبادرة .إذا كان هناك من يهتم للصحة في البلد فليلتفت إلي النزيف المستمر للمهندسين الطبيين وإلا فإن فليكفوا عن الإدعاء بأن البلد في حاجة لتدريب طواقم في المجال الطبي .