من المعلوم لدى الجميع أن أصحاب كل ميدان مهني يعتبرون مهنتهم عموما هي الأقسى والأصعب من بين كل المهن وخاصة إذا تعلق الأمر بميدانهم على وجه الخصوص، لكن أستاذة الصحة في بلدنا الحبيب استثناء خاص بكل المقاييس.
فالعبء التكويني بمختلف جوانبه مرمي – كي لا نقول موضوع – على كواهلهم المتعبة أصلا، فقلة عددهم جعلت كل من هب ودب وقدر دون أن يُفكرَ يمكنه أن يقدم دروسا في مدارس الصحة ويتسمى عند بداية أول حصة باسم "أستاذ من أساتذة الصحة" وإن لم يسبق أن تلقى أي تكوين تربوي ولا حتى صحي، ومع هذا وبكل بساطة يُحَملُ أساتذة الصحة أوزار القوم ويؤخذون بجرائرهم ويسفون اللوم بأفعالهم، إذ لا يوجد سلك مهني يحمي للأستاذ حقوقه وأخلاقيات مهنته، وما مثال الملف المودع لدى عدالة كيفة منا بعيد.
ونظرا لسيادة دور الوكالة في بلدي الحبيب غيب كل أساتذة الصحة تماما عن إدارة كل مدارس الصحة في البلد والتي كُونوا أصلا من أجل تسييرها وإدارتها وفقا لما يُلاءِمُ تكوين طلابها تبعا للحاجيات والمتطلبات التربوية، إذ لا يوجد اليوم أستاذ واحد من أساتذة الصحة يدير مدرسة واحدة من مدارس الصحة على عموم التراب الوطني، بل لا يوجد أستاذ واحد من أساتذة الصحة تسند إليه إدارة أدارية ومالية في واحدة من مدارس الصحة على عموم التراب الوطني، والأدهى والأمر كون 40% من مدارسنا الصحية توكل إدارة الدروس فيها إلى أشخاص غير أستاذة في ميدان الصحة مع احتواء تلك المدارس على أستاذة متخرجين من أكاديميات دولية، أضف إلى كل ما سبق انه لا يوجد اليوم أستاذ صحي واحد معين كمستشار تربوي بالاسم والوظيفة لأي مدير من مديري مدارس الصحة ومع هذا وبكل بساطة يحمل أساتذة الصحة كامل المسؤولية الإدارية والتسييرية وكل الخروق التكوينية والأخلاقية في مدارس الصحة، والله المستعان.
إن ولع مصالحنا الإدارية بتقليد المغلوب للغالب جعل أستاذة الصحة يدفعون هويتهم المهنية ثمنا لاختلاف الذائقة اللغوية لمترجمي تلك المصالح الإدارية في ترجمة التسمية الوظيفية لأستاذة الصحة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، فعند النظر إلى كشوف رواتب عدد من أساتذة الصحة ترى مدى اختلاف تسمياتهم فبعضهم يسمى "أستاذ فنيات الصحة" وبعضهم "أستاذ في تقنيات الصحة" وبعضهم "أستاذ شبه طبي" مع معرفة الكل لنسبة المشبه إلى المشبه به، وكانعكاس طبيعي لهذا التباين في التسمية تباينت الهوية وبالتالي تباينت الأولويات والأهداف والطرق والوسائل، ولا يتساوى الجميع إلا في محدودية المخصصات المالية وقلة المهام المسندة وانعدام التعيينات والحرمان من التكوين المستمر عدى عن ملتقيات حُرفَ تصنيفها التربوي من تبادل معلومات إلى تكوين مستمر هذه الملتقيات في مجملها عبارة عن عروض محضرة على البور بونت تعرض عن طريق إنارة مكبرة إن انقطع التيار الكهربائي وقت عرضها تساوى فيها المقدم والمتلقي إلا من رحم ربك، وما ملتقى مدرسة الصحة بأنواكشوط أواخر يونيو 2015 منا ببعيد.
أما من الناحية المعنوية فحدث ولا حرج عن غياب الحفز (التحفيز) المعنوي وأقرب مثال على ذلك أن كل أساتذة الصحة مغيبون كليا عن مسابقات اكتتاب دفعات التمريض التي سيُكونونَها وتُعتبَرُ منتوجهم المهني، إذ يوكل الإشراف على هذه المسابقات إلى أشخاص غالبا لا علاقة لهم بالتربية ولا بالتمريض وهنا لا يفوتني – من باب التنوير - إلا أن أعطي سؤالا شفويا نموذجيا من أشهر أسئلة هذه اللجان المشرفة على المسابقات، هذا السؤال الذي يعتبرونه معيارا عالي الدقة من نجح فيه فهو صالح بغض النظر عن كل شيء لأن يكون ممرضا ناجحا ومن لم ينجح فيه فهو غير صالح بتاتا لان يكون ممرضا نص السؤال "ما اسم عاصمة الولاية التي ولدت بها؟".
حسبي الحسيب حسبنا الله ونعم الوكيل.