الطريقة العلمية:هي منهج معين في البحث، يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه. عن طريق إجراء تجارب على الشيء، ولا تكون إلا في بحث المواد المحسوسة، ولا يتأتى وجودها في بحث الأفكار، ولا تكون إلا بإخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية،
وملاحظة المادة والظروف والعوامل الأصلية التي أخضعت لها، ثم يستنتج من هذه العملية على المادة حقيقة مادية ملموسة، كما هي الحال في المختبرات. وتفرض هذه الطريقة التخلي عن جميع الآراء السابقة عن الشيء الذي يبحث، ثم يبدأ بملاحظة المادة وتجربتها، لأنها تقتضي, أن يمحو الباحث من رأسه كل رأي، وكل إيمان سابق في هذا البحث، وأن يبدأ بالملاحظة والتجربة، ثم بالموازنة والترتيب، ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية، فإذا وصل إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية أي حقيقة علمية خاضعة للبحث والتمحيص، ولكنها تظل حقيقة علمية، ما لم يثبت البحث العلمي تسرب الخطأ إلى ناحية من نواحيها. وبناء على هذا التعريف للطريقة العلمية، والطريقة العقلية، تكون الطريقة العقلية هي الطريقة الوحيدة التي يجري عليها الإنسان من حيث هو إنسان في تفكيره وحكمه على الأشياء وإدراكه لحقيقتها وصفاتها. ولكن الغرب قد اوجد في أوروبا بالانقلاب الصناعي ونجح في العلوم التجريبية نجاحا منقطع النظير، وامتد سلطانه منذ القرن التاسع عشر، حتى شمل نفوذه جميع العالم فسمى أسلوب البحث في العلوم التجريبية طريقة علمية في التفكير، وصار ينادي بها أن تكون طريقة التفكير, وان تجعل أساسا لتفكير. وقد أخذها علماء الشيوعية، وساروا عليها في غير العلوم التجريبية كما ساروا عليها في العلوم التجريبية وسار على نهجهم علماء أمريكا، وقلدهم فيها سائر أبناء العالم من جراء سيطرة ونفوذ الغرب ثم نفوذ الاتحاد السوفيتي، فطغت على الناس بشكل عام هذه الطريقة، فكان من جراء ذلك ان وجدت في مجتمع العالم الإسلامي كله قداسة للأفكار العلمية والطريقة العلمية.خطأ البشرية بجعل الطريقة العلمية أساسا للتفكير: وتسميتها طريقة ليست خطأ لأنها منهج معين دائم في البحث، والطريقة هي الكيفية التي لا تتغير. ولكن الخطأ هو جعلها أساسا للتفكير. لان جعلها أساسا لا يتأتى، إذ هي ليست أصلا يبنى عليها، وإنما هي فرع بني على أصل. ولأن جعلها أساسا يخرج أكثر المعارف والحقائق عن البحث، ويؤدي إلى الحكم على عدم وجود كثير من المعارف التي تدرس والتي تتضمن حقائق، مع أنها موجودة بالفعل وملموسة بالحس والواقع فالطريقة العلمية طريقة صحيحة. ولكنها ليست أساسا في التفكير، بل هي أسلوب دائم من أساليب التفكير، وهي لا تطبق على كل أمر وإنما تطبق في أمر واحد هو المادة المحسوسة لمعرفة حقيقتها عن طريق إجراء تجارب عليها، ولا تكون إلا في بحث المواد المحسوسة، فهي خاصة بالعلوم التجريبية ولا يجوز أن تستعمل في غيرها. أما كونها ليست أساسا فظاهر من وجهين: الأول: انه لا يمكن السير بها إلا بوجود معلومات سابقة ولو معلومات أولية، لأنه لا يمكن التفكير إلا بوجود معلومات سابقة، فعالم الفيزياء وعالم الكيمياء والعالم في المختبر، لا يمكن ان يسير في الطريقة العلمية لحظة واحدة إلا أن تكون لديه معلومات سابقة. وأما قولهم أن الطريقة العلمية تفرض التخلي عن المعلومات السابقة فإنما يريدون به التخلي عن الآراء السابقة لا عن المعلومات السابقة، أي أن الطريقة العلمية تقتضي من الباحث إذا أراد البحث أن يمحو من نفسه كل رأي وكل إيمان سابق له في البحث، وان يبدأ بالملاحظة والتجربة ثم بالموازنة والترتيب ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية. فهي وان كانت عبارة عن ملاحظة وتجربة واستنباط، ولكن لا بد فيها من وجود معلومات وهذه المعلومات تكون قد جاءت عن غير الملاحظة والتجربة, أي عن طريق نقل الواقع بواسطة الحواس. لان المعلومات الأولية لأول بحث علمي لا يمكن أن تكون معلومات تجريبية لان ذلك لم يحصل بعد، فلا بد أن تكون عن طريق نقل الواقع بواسطة الحس إلى الدماغ، أي لا بد أن تكون المعلومات قد جاءت عن طريق الطريقة العقلية ، ولذلك لا تكون الطريقة العلمية أساسا بل تكون الطريقة العقلية هي الأساس، والطريقة العلمية مبنية على هذا الأساس، فتكون فرعا من فروعه لا أصل له، ولهذا فإن من الخطأ جعل الطريقة العلمية أساسا للتفكير. الوجه الثاني: أن الطريقة العلمية تقضي بان كل ما لا يلمس ماديا لا وجود له في نظر الطريقة العلمية، وإذن لا وجود للمنطق، ولا التاريخ، ولا للفقه، ولا للسياسة، ولا لغير ذلك من المعارف لأنها لا تلمس باليد، ولا تخضع للتجربة، ولا وجود لغير ذلك من الموجودات، لان ذلك لم يثبت علميا. أي لم يثبت عن طريق ملاحظة المادة وتجربتها والاستنتاج المادي للأشياء، وهذا هو الخطأ الفاحش، لأن العلوم الطبيعية فرع من فروع المعرفة، وفكر من الأفكار، وباقي معارف الحياة كثيرة، وهي لم تثبت بالطريقة العلمية، بل تثبت بالطريقة العقلية وفضلا عن ذلك فان قابلية الخطأ في الطريقة العلمية أساس من الأسس التي يجب أن تلاحظ فيها حسب ما هو مقرر في البحث العلمي، وقد حصل الخطأ في نتائجها بالفعل وظهر ذلك في كثير من المعارف العلمية التي تبين فسادها بعد أن كان يطلق عليها حقائق علمية. فمثلا الذرة، كان يقال عنها أنها أصغر جزء من المادة وأنها لا تنقسم. فظهر خطأ ذلك وتبين بالطريقة العلمية نفسها أنها تنقسم. وهكذا كثير مما كان يسمى بالحقائق العلمية والقانون العلمي، قد ظهر بالطريقة العلمية خطا ذلك، وتبين بالطريقة العلمية نفسها أنها ليست حقائق علمية وليست قانونا علميا.). يقول راسل: " إن العلم يقرر أحكاما على سبيل التقريب لا على سبيل اليقين". والعلم في تعريف أساطين العلماء (هو مجموعة فروض، تحولت بالتجربة إلى قوانين قابلة للتغيير الدائم فليس في العلم شيء ثابت بشكل جازم يقيني) ولذلك فان الطريقة العلمية طريقة ظنية وليست قطعية وهي توجد نتيجة ظنية عن وجود الشيء وعن صفته، وعن حقيقته، ولذلك لا يجوز أن تتخذ الطريقة العلمية أساسا في التفكير(32) يقول الدكتور (الكسس كيرل): " إن الكون الرياضي شبكة عجيبة من القياسات والفروض، لا تشمل على شيء غير « معادلة الرموز»، الرموز التي تحتوي على مجردات لا سبيل إلى تفسيرها(33). ويقول البروفسور ماندبر: " القول بأننا عرفنا الحقيقة يعني: أننا عرفنا معناها، وبعبارة أخرى: أننا بحثنا عن وجود شيء، وعن أحواله، ففسرناه، وأكثر عقائدنا تدخل في هذا النطاق، فهي في الحقيقة: تفسير للملاحظات، ويستطرد فيتكلم عن (الحقائق الملحوظة عندما نذكر (ملاحظة) فإننا نقصد شيئا أكثر من المشاهدة الحسية المحضة، فمعناها: «الملاحظة الحسية» و(التعرف) بما يشمل جانب التفيسر(34). ويقول سير آرثراد نجتن في هذا الصدد:" إن عالمنا في العصر الحاضر يعمل على منضدتين في وقت واحد: إحداهما المنضدة العامة التي يستعملها الرجل العادي، التي يمكن لمسها ورؤيتها، وأما الأخرى فهي (المنضدة العلمية وأكثرها في الفضاء وتجري فيها الكترونات لا حصر لها ولا تشاهد). وهكذا نجد لكل شيء صورة ذات وجهين، احدهما: (ملحوظ) والآخر: (صورة فكرية)، لا سبيل إلى مشاهدتها بأي ميكروسكوب أو تلسكوب(35). كما أن الطريقة العلمية وان كان يمكن أن يستنبط بها أفكار ولكنها لا ينشأ بها وحدها فكر، فهي لا تستطيع أن تنشئ إنشاء جديدا أي فكر، كما هي الحال في الطريقة العقلية، وإنما هي تستنبط استنباط أفكارا جديدة، ولكنها أفكار مستنبطة، لا أفكار منشأة إنشاء جديدا. يقول البروفسور أي ما ندير: " إن الحقائق التي نعرفها مباشرة تسمى بالحقائق المحسوسة بيد أن الحقائق التي توصلنا إلى معرفتها لا تنجح في الحقائق المحسوسة ". فهناك حقائق أخرى كثيرة لم تتعرف عليها مباشرة، ولكننا عثرنا عليها على كل حال، ووسيلتنا في هذه السبيل هي الاستنباط فهذا الأنواع من الحقائق هو ما نسميه « بالحقائق المستنبطة» والأهم هنا أن نفهم أنه لا فرق بين الحقيقتين، وإنما الفرق هو في التسمية، من حيث تعرفنا على الأولى مباشرة, وعلى الثانية بالواسطة, والحقيقة دائما هي الحقيقة, سواء عرفناها بالملاحظة أو الاستنباط ". ويضيف " إن حقائق الكون لا تدرك الحواس منها غير القليل، فكيف يمكن أن نعرف شيئا عن الكثير الآخر؟...هناك وسيلة هي الاستنباط والتعليل وكلاهما طريق فكري تبتدئ به بواسطة حقائق معلومة، حتى ننتهي بنظرية: (أن الشيء الفلاني يوجد هنا ولم نشاهده مطلقا(36). من هنا نجد أن الأفكار المنشأة....يتواصل....