لم يكن حال البلاد من قبل العاشر من يوليو من العام 1978 بأحسن حال، ولم يكن عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه خاليا من الأخطاء، بل كان مثقلا بالأخطاء الكبيرة : حرب الصحراء؛ أحداث ازويرات؛ إقصاء المعارضين؛ الحزب الواحد؛ القبول بالبقاء تحت عباءة المستعمر.
لم يكن عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه خاليا من الأخطاء الكبيرة، ولكنه أيضا لم يكن خاليا من الإنجازات الكبيرة، والتي كان من ميزتها أنها تحققت في ظروف صعبة جدا: تأسيس دولة من لاشيء؛ طريق الأمل؛ العملة الوطنية؛ تأميم ميفرما؛ الرفع من شأن موريتانيا لدرجة أنها أصبحت أعلى شأنا على الصعيد الدبلوماسي من دول عريقة وكبيرة ولها إمكانيات هائلة.وبكلمة واحدة يمكن القول بأن الرئيس الراحل المختار ولد داداه كانت له انجازات كبيرة، وكانت له أيضا أخطاء كبيرة. لقد كان عهده مثقلا بالأخطاء الكبيرة وبالإنجازات الكبيرة، أما الرؤساء الذين جاؤوا من بعد العاشر من يوليو فقد كانت عهودهم مليئة بالأخطاء الكبيرة، وخالية في الوقت نفسه، من أي انجاز كبير، هذا إذا ما استثنينا: إيقاف حرب الصحراء.لقد استولى ضباط من الجيش على السلطة في العاشر من يوليو لينقذوا البلاد حسب ما قالوا، وليصححوا أخطاء الرئيس الراحل المختار ولد داداه، ولكن الذي حصل بعد ذلك كان على النحو التالي : لقد دمر الحكام العسكريون الكثير من الإنجازات التي حققها الرئيس الراحل المختار ولد داداه، وذلك في الوقت الذي لم يصححوا فيه أخطاء الرئيس المنقلب عليه، بل إنهم على العكس من ذلك فقد جاؤوا هم بأخطائهم الخاصة بهم، والتي أنست الموريتانيين أخطاء الرئيس الراحل المختار ولد داداه.ولمعرفة جسامة الأخطاء التي ارتكبها حكام العسكر فيكفي أن نتوقف مع النقاط التالية:1 ـ لقد كانت أول كلمة نطقها المنقلبون، هي تلك الكلمة التي خاطب بها المرافق العسكري الرئيس المنقلب عليه، وكان ذلك في حدود الساعة الرابعة فجرا :"السيد الرئيس، لقد سحب منكم الجيش ثقته فلتتفضلوا بمرافقتنا". هكذا وببساطة شديدة كان أول انقلاب، وهكذا سيكون آخر انقلاب، وهكذا سن المنقلبون الأوائل هذه السنة السيئة والتي ستتكرر كثيرا فيما بعد.فمنذ فجر العاشر من يوليو من العام 1978 أصبح يحق للجيش الموريتاني أن يسحب ثقته من الرؤساء الموريتانيين متى شاء وكيفما شاء!! المصيبة أن الجيش هنا لا تعني الجيش، وإنما تعني فقط مجموعة من الضباط كان قد منحها الرئيس الذي ستنقلب عليه فيما بعد ثقته وعينها في أماكن حساسة، فاتفقت وقررت فيما بينها أن تستولي بالقوة على السلطة، وأن تتحدث باسم الجيش وباسم الشعب، وكأن الجيش والشعب كانا قد منحا لتلك المجموعة من الضباط الحق في التصرف نيابة عنهما.2 ـ مما جاء في البيان رقم 1 لانقلاب العاشر من يوليو: "لقد انتهى عهد نظام الرشوة والخيانة المعادي للمصلحة الوطنية.". هكذا أيضا سن انقلاب العاشر من يوليو هذه السنة السيئة، فكل نظام سيتم الانقلاب عليه بعد العاشر من يوليو فإنه سيتحول في الدقائق الأولى التي تعقب الانقلاب إلى نظام خائن ومعادي للوطن وللشعب. وبالتأكيد فإن كل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في هذه البلاد لم يكن فيها أي نظام خائن ومعادي للوطن والشعب، حتى وإن كانت كلها قد ارتكبت أخطاءً جسيمة وفادحة في حق الوطن، وفي حق هذا الشعب المسكين والمغلوب على أمره. إن حال هذه البلاد لن يتحسن أبدا مادامت كل أمة تلعن الأمة التي سبقتها، وما دام كل نظام يعتبر النظام الذي سبقه نظاما خائنا ومعاديا للوطن وللشعب، ويجب أن يلغى كل ما يذكر به، إيجابيا كان أو سلبيا ذلك الشيء الذي يذكر به.3 ـ لقد جاء في أول افتتاحية للشعب بعد انقلاب العاشر من يوليو : "استولت قواتنا المسلحة الباسلة فجر يوم أمس الأول 10 يوليو على الحكم في البلاد دون إراقة قطرة دم واحدة وأطاحت بالحكم المضمحل السابق الذي اغتصب السلطة بدناءة واستولت على السلطة اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني برئاسة المقدم المصطفى ولد محمد السالك .وعندما أعلن النبأ بدأت ملتمسات التأييد والمساندة تصل بكثرة إلى اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني وهكذا أعربت الإطارات والعديد من المواطنين في ملتمسات بعثوا بها عن تأييدهم التام و اللامشروط للجنة العسكرية للإنقاذ الوطني ."بهذه الافتتاحية البائسة سنت الشعب سنة سيئة للإعلام الرسمي، وبهذه الافتتاحية البائسة لم يبق للأطر وللمثقفين ولعامة الشعب في هذه البلاد من أدوار سوى إصدار ملتمسات التأييد، والتنافس في التطبيل والتملق، والتعبير عن الدعم اللامشروط كلما قرر ضابط أن يستولي على السلطة بالقوة من خلال الانقلاب على أخ له كان قد سبقه لذات الفعل. إن حال هذه البلاد لن يتحسن أبدا ما دمتم تسمعون فيها هذا المصطلح الغريب والمستفز : "الدعم اللامشروط". إن دعم الحاكم يجب أن يشرط بأمرين أساسيين، وهما : شرعية الوصول إلى السلطة، وشرعية الانجاز.4 ـ إنه لا يمكننا في هذا المقال أن نتحدث عن مستوى التراجع الذي حصل في كل القطاعات، ولا أن نبسط الحديث عن التراجع الذي حصل في كل قطاع على حدة، ولذلك فإننا سنكتفي بالقول بأن التعليم والذي لم يكن في أحسن حال في عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه كان قد تم تدميره في العهود العسكرية، ويكفي أن نذكر هنا بأن من أول القرارات التي اتخذها من اختاره بعض الانقلابيين لشغل منصب وزير التعليم لأطول فترة (من أكتوبر 1979 إلى غاية مارس 1991) كان يقضي بإلغاء السكن الداخلي للطلاب، مع منح الجيش الأسرة و الأفرشة والأواني وكل أدوات الطبخ التي كانت تستخدم في السكن الداخلي للطلاب. ومن المعروف بأن السكن الداخلي للطلاب كان يوفر الحد الأدنى من التعايش والاحتكاك بين مختلف الطلاب من مختلف الشرائح والأعراق، الشيء الذي سيغيب تماما مع الأنظمة العسكرية، وخاصة بعد أن ابتدعت تلك الأنظمة نظاما تربويا سيئا ظل بموجبه أبناء الزنوج يدرسون باللغة الفرنسية بينما ظل أبناء العرب يدرسون باللغة العربية وهو ما زاد من حدة الشرخ بين الموريتانيين المنحدرين من أصول زنجية، وأولئك المنحدرين من أصول عربية .وفي الخلاصة فإنه يمكن القول بأن الرئيس الراحل المختار ولد داداه كانت له إنجازات كبيرة كما كانت له أيضا أخطاء كبيرة، وكان من بين تلك الأخطاء الكبيرة أنه لم يمنح لمعارضيه ولا لغيرهم أي وسيلة شرعية للتناوب السلمي على السلطة، وأنه بالإضافة إلى ذلك كان قد أدخل البلاد في حرب مدمرة كان لابد من إيقافها بأية طريقة.إن تلك الأخطاء هي التي برر بها العسكر انقلاب العاشر من يوليو، فهل كان الانقلاب هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لإيقاف الحرب، أم أن الجيش كان بإمكانه أن يجبر الرئيس الراحل على إيقاف حرب الصحراء دون اللجوء إلى انقلاب عسكري؟ ذلك سؤال أتمنى أن يجيب عليه أولئك الذين عاصروا تلك الفترة، خاصة منهم من كان على اطلاع بأدق تفاصيل ذلك العهد.إن الشيء الذي يمكن الجزم به هنا هو أن العسكر قد تمكنوا فعلا من إيقاف الحرب، وكان ذلك هو التعهد الوحيد الذي التزموا به، وكانت تلك هي الحسنة الوحيدة في صحيفة انقلابهم. لا حسنة أخرى يمكن ذكرها هنا في ميزان انقلاب العاشر من يوليو.تقبل الله صيامنا وصيامكم وقيامنا وقيامكم...
حفظ الله موريتانيا..