نبارك لجيرتنا الأدنين والجيرة القصى في هذا العالم الأزرق عيد فطرهم المبارك، أما أنا فهو بالنسبة لي يوم فطر فقط، ذلك أن العيد مشاعر وفعاليات، والغريب أيامه سواء، لها طعم واحد هو طعم الغربة الزعاق. العيد لدى الغريب يمضي كما تمضي بقية أيامه، لا طعم ولا رائحة، لم يدر بخلدي أن أذهب إلى السوق كي أشتري ملابس جديدة، فليس هناك من ستلبس له، اكتفيت بدراعة كنت لبستها مرات سابقة، فيها لون الجدة ولكنها ليست جديدة بالمرة، جِدَّتُها مزيفة كما مشاعري بهذا اليوم. الطريف أني خلعتها وعلقتها على مشجب الميضأة وذهبت للوضوء، فلما فرغت وجدت نيباليا يمسح بها بلل ذراعيه، قد يكون ظنها نمطا من المناشف جاء بيوم العيد، كظمت المرارة في كياني الغاضب وسامحته، فهو مثلي غريب، وكل غريب للغريب نسيب. كيف يمكن أن تحتفل بين قوم يظنون (دراعة بزاه مخيطة) مجرد منشفة لأعضائهم! من هذا تعرف كيف يفقد العيد طعمه في هذه الأرض الغريبة عليك. هو إذن يوم فطر نصلي فيه ونكبر الله ونسأله قبول رمضان والتوفيق بعده، ونتسنَّن بأكل تميرات، لا أكثر من ذلك، هو يوم فطر، لذلك ولأسباب أخر. حين تتذكر أن هناك جراحا تنزف من جسمك، وأن خيرة أبناء الأمة تثقلهم القيود والسلاسل والأنكال في سجون الطغاة، وأن أطفالهم يسألون في براءة: ماما أين بابا، فتطرق الأم، وقد اغرورقت عيناها بالدموع، وأن وأن وأن، حين تتذكر كل ذلك تتيه في خيال حزين، لا يترك لك أي فرصة للفرح. لو كانت أمتي بخير وكنت في ربوع الوطن المنكوب بين من أحبهم، لكان لي مع العيد شأن آخر.