أَذْكُرُ أن ابن بطوطة فيما أملى على ابن جُزي الكلبي، ذكر أنه حضر في تونس جمعا من مجامع الناس، لعله استقبال عالم من العلماء، فأقبل بعض الناس على بعض بالسلام والتحية والحديث والإيناس، وبقي هو وحده بلا مسلم ولا مؤنس، فأخذه من ذلك ضيق شديد لم يملك معه دمعه فبكى بكاء شديدا، قبل أن يتنبه له أحد الحجاج فأتى إليه مسلما ومحدثا ومؤنسا..وعند ذكر هذا الخبر أذكر أيضا أن ابن جُزي الكلبي أورد أن حالة مشابهة وقعت لأحد شيوخه من كبار القضاة، ذهب إلى مدينة من مدن الأندلس بحثا عن سند حديث شريف، وصادف عيدا من أعياد المسلمين، فحضر صلاته في الجامع، وبعد انقضاء الصلاة والخطبة، أقبل أهل البلد بعضهم على بعض بالسلام والتهنئة، وبقي هو بركن قصي منتبذا، لا مسلم عليه ولا مُبارك له، فضاق بذلك إلى أن تنبه له أحد أبناء البلد فجاء إليه مسلما مهنئا، قائلا له: "لما رأيتك بمعزل عرفت أنك غريب".. لقد عشتُ هذه الحالة صباح اليوم، بعد حضور صلاة العيد في أحد جوامع البلد هنا، بعد أن أقبل الناس بعضهم على بعض بالتهنئة ومباركة العيد، وبقيت وحيدا بلا مسلم ولا مُبارك..يفقد البعيد في العيد أشياء يألفها، ويرى الناس يعيشون ما يألفون، وإذا عرف بعضه لا يلبث حتى ينكره، لما يفقد من ناس وأرض ارتبط بهم عنده..إذا أمتزج هذا الوضع بمنغصات أخرى، يجرعها للشخص حال أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يصبح وقد تظاهرت عليه الأقياد، ولن يبعث فيه الفرح بالعيد إلا حب اتباع الهدي النبوي..في عيد كهذا لا يبقى إلا الجلوس إلى هؤلاء: سأعود لـ "إدارة التوحش" بقراءة ثانية، وهذه المرة للنسخة الورقية بعد تجشم عناء قراءة نسخة رقمية على كره لها، ثم أبدأ في قراءة "ما بعد بن لادن/ القاعدة الجيل الثاني" لعبد الباري عطوان، وبين هذا وذاك أطوف بنسختي الجديدة من "الحماسة" بشرح المرزوقي لأبي تمام، وقد جمع الله الشمل بها بعد بحث دام أكثر من سنة..
صفحة أحمد ولد المصطفى