محكمة الجنايات بنواكشوط على اثنين من قتلة الطفلة زينب بنت الخضر بالإعدام ، وأدانت الثالث ؛ القاصر بالسجن لمدة 12سنة بتهمة المشاركة في الجريمة ، وكان الشبان الثلاثة قد أقروا على أنفسهم بارتكاب جريمتي الاغتصاب والقتل حرقا ، وهي الجريمة البشعة التي وقعت في أحد أحياء عرفات وهزت نواكشوط وحركت الرأي العام . لقد غيبت هذه الجريمة الصبية زينب ؛ زينب التي كانت تحلم بحياة كريمة في أرض الكرماء والعلماء، وهي التي اختار لها أهلها الطريق الأمثل لتربية النشء ؛ حيث آثروا تعليمها كتاب الله ؛الذي طالها بطش الذئاب الحقيرين وهي عائدة من عند مدرسه في وضح النهار..! ، وطبعا كان لوقع هذه الجريمة آثاره الكبيرة على التحركات التي حدثت حينها في مدينة نواكشوط ؛التي شهدت جرائم لا تقل عنها خطورة وبشاعة ، وأعادت هذه الجريمة إلى الأذهان الجريمة التي تعرضت لها "بندا سوغو" التي اغتصبت وقتلت في سيارة تاكسي؛ وقبلها "خدي توري" التي اغتصبت وقتلت في وضح النهار ونزعت مقلتيها ورميت في البحر ..! ؛كل ذلك حدث نهارا جهارا . إن هؤلاء المجرمون ما زالوا ينعمون بالحياة ويرفعون النفس ويخفضونها مع أنهم لا يستحقون ذرة منها ، فكل هذه الجرائم التي لا تعد الحصرية في الفترة الأخيرة؛ لكنها الأشنع ، كل هذه الجرائم التي طالت فتيات في عمر الزهور ؛دلت دلالة واضحة على مستوى الانفلات الأمني ومدى سرعة متجه الانحدار الأخلاقي والموت القيمي الإنساني ؛مما استدعى حينها يقظة الأحرار ترجموها بغليان في الشارع وتجاوب في الرأي العام مع هذه القضايا ، وإن كان بمستويات متباينة ، ولن يخطئ المتتبع للأحداث والتطورات التي توجت بحكم محكمة الجنايات يوم 15/07/2015 أن تلك الصيحات والتفاعلات كان لها أثرها الإيجابي في الوصول إلى هذا الحكم؛ وإن كان الفضل أولا وأخيرا يرجع إلى الله تبارك وتعالى الملهم لكل المخلوقات والذي ألهم القضاة المباشرين للملف التثبت حتى خرجوا بهذا الحكم الذي سيبقى تاج عز يزين هاماتهم كل على حدة ويشاركهم في ذلك العز كل من له صلة بالعدالة ومن بعدها دائرة القرار . إن التوجه العام للحكومة أضفى بصبغته على كل مرفق حكومي وظهرت آثاره الإيجابية في كل دوائر الدولة وما حديثنا الآن في هذا الموضوع بالذات إلا انعكاس لذلك التجلي. ومن هذا المنطلق نشدد الطلب من أجل الإسراع في تنفيذ الحكم ليكون عبرة لمن يعتبر ، ولكي لا تبقى أحكام القضاء حبرا على ورق كما يتمنى المرجفون والمحبذون لانكشاف العورات الوطنية ،نرجوا تطبيق هذه الأحكام في عاجل الآجال وفي وقت مشهود وعلى رؤوس الأشهاد ؛سبيلا إلى إعادة فرض هيبة الدولة من بعد ما كادت تتلاشى وهي التي عانت في الماضي انكماشا وتبلزما غاية في الشدة. وعلى المحكمة الجنائية أن تتبع هذه الأحكام بأحكام توأمية لها في الذئاب الذين فعلوا فعلتهم التي لا تقل عن هذه بشاعة في "خدي توري" وفي "بندا سوغو" وأخريات . وعلى أجهزة القضاء أن تسلك دوما هذه الطريق كي تفرض هيبة الدولة بقوة القانون في كل من تلطخت يداه بدم مواطن في هذه الأرض الزكية ،فنحن شعب ظل إلى عهد قريب يفتخر أول ما يفتخر بأمنه ومسالمة مواطنيه الذين ظلوا يتمتعون بطيب العشرة إلى أن انتقلت إليهم العدوى التي نقلت الجراثيم البشرية الوافدة من دول الجوار أساسا وكانت أكثرها تأثيرا وفتكا وإمراضا ؛بالإضافة إلى ضريبة الانفتاح الحضاري غير المحصن ؛ والذي لم نحسب له حسابه بالشكل الدقيق ولم نقابله بمايستحق من وقاية واحتراز ، حيث ظلت الشبكة العنكبوتية تنقل إلينا حيثيات الجريمة لحظة وقوعها وبأدق تفاصيلها ؛ الشيء الذي وجد مستقبلات نفسية بقيت ندوبها مؤثرة في سلوك الشباب الذي لم يحظ بالتحصين الكافي ؛ لا من حيث التعليم ولا من حيث الخلفية الأخلاقية والتربية الناصحة؛مما جعلهم يترجمون تلك الجرائم على أرض بلادنا بكامل حيثياتها دون تصرف. ولقد وجدت هذه الأزمة الأخلاقية روافد أخرى عمقتها تمثلت في القنوات الفضائية التي تنشر الرذيلة وتغذي روافد الجريمة في غياب تام للرقيب الأسري وضعف وهشاشة دور الرقيب التربوي. إن على كل أفراد الوزارات المسؤولة عن الأمن من قريب أو بعيد أن يدركوا تمام الإدراك أن الأمن لا يستتب إلا بفرض قوة القانون وإحداث قطيعة مع الماضي البغيض الذي اتسم بضعف جهاز القضاء وتبعيته الواضحة وتنفيذه لأجندات الأجهزة الأخرى التي تملى عليه دون التدخل في تركيبتها . إن التفاؤل حاصل بفضل الله تعالى وبفعل التغيرات والانتعاش القضائي الذي يعد حكم الإعدام هذا ثمرة له وحسنة في تاريخ وزير العدل الحالي ومن بعده الحكومة والقيادة الوطنية وكل من له قدرة التخطيط وقوة التأثير والتنفيذ ، وعلينا جميعا أن ندرك أنه لا أحد ينبغي له أن يكون فوق القانون ؛فعصا القانون ينبغي أن تكون على رقاب الجميع وعلينا أن نبتعد عن سياسة بني إسرائيل ؛كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، فذلك أسلم لمجتمعنا وأدعى لبقائه وتماسكه وصون حقوقه واحتواء كل أبنائه .