أمرنا بالقراءة وطلب العلم وأمرنا بتعليم العلم ونشره، هذه عروة الرسالة الربانية التي جاءت بالعلم، علم يُـعلّم ويُنشر، وصرنا بذلك أمة الدعوة، الدعوة للهداية والرحمة والمحبة، وقال ربنا تعالى في محكم تنزيله " اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "، العلق.
ومن ذلك أخذت الأمة على عاتقها العلم والتعلم ونشر المعرفة والبحث عنها، فـتفواتت الشعوب في سبل طلب العلم ونشره، وأخذ كل منهم طريقا يلتمس في علم وسبيلا ينشره بـه، وكان للشناقطة دورهم في سلسلة الأمة المتصلة، فحلوا ورحلوا وتعلموا وعلموا، نشروا العلم والحضارة، فتواصل العطاء والجد حتى تكون النهج وسطع النبراس وبزعت أكبر وأعرق جماعة، إنها جامعة اللوح الخيمة والإبل، فسميت بــإسمها الحاضر بين الشعوب ونبراسا للقلوب بــ " المحظرة " التي وصفها قبل قرنين من الزمن، قطب زمانه وأحد أكبر خريجيها العلامة المختار ولد البون الجكني - رحمه الله- بــأبياته :
نحن ركبُ من الأشراف منتظمُ أجلّ ذا العصر قدرا دونَ أدناناقد اتخذنا ظهور العيس مدرسة ً بــــها نبينُ دينَ الله تبيانــــا
فكانت المحظرة ولا زالت نبراسا للعلم والمعرفة، و مأوا لطلاب العلم والمعرفة من كل أنحاء العالم، ومنهاجا قويما يضيء بلاد الشناقطة ويرفعا رأسها بين الشعوب، خرّجت المحظرة درر الرجال وعبر الأجيال، فتعجب العالم من هذا النهج البدوي المنتظم، الذي يؤتي أكله كل حين بأذن ربه، فأنبهروا به، وأستقطبطا خريجيه وزعموهم ورأسوهم على دور العلم والمعرفة، كـإستغلال وأغتنام لثمرة نادرة من مدرسة شامخة إسمها " المحظرة "..
ونحن اليوم في هذا العصر المتعصرن المتذبذ، المشغول بفتات العلم والمعرفة، المغضوب عليه، القابع في شُعب الغزو والنصب والتشويه، المفتون بالترهات والسخافات، المولع بالشذوذ والنزغ، تغيرت المفاهيم فصار الملحد مفكرا والفاسق مبدعا، والسارق شجعا، وكأننا علقنا بأرجلنا فصار الأسفل عاليا...!!وكأننا في الزمن الذي ذكرها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :يأتي على الناس زمان ليس شيء فيهأخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل،ولا أكثر من الكذب ،( فالحق لا يخفى لكن يُزاغ عنه )
ففي بلاد الشناقطة مهد المحظرة ومنبع مدها بزغ شوك الغزو فـــ انتشر الإلحاد والفسق والفساد وظهر الشذوذ والبغي والكساد، وتنطع السفهاء واشتهر البلهاء، وحتى الذئب جاء في ثوب الواعظين !
فبعد حرق امهات كتب المذهب المالكي و تنديس المصحف الشريف والإساءة إلى جنابه- صل الله عليه وسلم- والجهر بالتشيع، ها هم إمعات الزمان وشاربي فتات الفن، بائعي الدين والحضارة والإنسان، يتنطعون على نبارس العلم والمعرفة، فيدنسون البياض الناصع بغيّهم الباهت وفنهم التالف، في حلقة جديدة من مسلسل الإساءة للدين والمقدس ومشاعر هذا الشعب المسلم المسالم !
فهل سنطل متفرجين علـى نزيف القيم وتدهور الأخلاق وذوبان الثوابت ومسح المبادئ، وكأننا نقبل بالمسخ والنسخ والإنصهار بين الغزو والتطرف وندعمه.. ؟!متى سنوقف مسلسل الإساءة والتدنيس والغزو، متى سيفيق هذا الشعب ويحافظ على تاريخه ويواصل المجد ويصون المكتسبات وينشر الجد ويطبق الحد ؟!
أحان وقت إقامت المأتم والعويل على قول " أحمد شوقي " :
وإذا أصيبَ القومُ في أخلاقِهم فأقمْ عَلَيهم مَأتماً وعَويلا !