“السلام عليكم انا ايمان من سوريا حمص عندي طفل رضيع وبحاجة ومطلوب مني مصروفو زوجي مجاهد بسوريا وساكنة مع ابوي وامي عاجزين وكبار بالعمر ومكسورين على اجار البيت شهرين مالنا معيل غير الله جزاكم الله خير اذا لكم قدرة بمساعدتي 00962778847368″.
أختي الكريمة إيمان الرمضون، وصلتني رسالتك هذه قبل أسبوعين، لا تعرفين من أنا، وكان لي أن أتغاضى عنها مثل عشرات الرسائل التي تصل إلى بريدي يوميا من حالات مشابهة احتيالا أو قلة حيلة، ولكن الصدق في صوتك المرفق معها ورنة الحزن الباكي المردد صداه في أذني كلما سمعت الرسالة، ونظرت إلى صورة ذلك الرضيع الحالم، والغافل عما حوله، الناقم غدا علي وعلى أمثالي، وبطاقة التعريف المرفقة بالرسالة دليلا على صحتها لم تترك لي مجالا للتجاهل أو التغاضي.
أعلم أن حرة محصنة مثلك ما كانت لترسل اسمها الثلاثي وصورة طفلها وبطاقتها التعريفية إلى مجهول إلا حين لم تجد غير ذلك سبيلا.
وأعلم أنك حين أرسلتها كنت مكثرة الرمي قصد الإصابة، وآمل أن لا يكون حظك منها ما أصابني.
“ذهب الذين يعاش في أكنافهم” يا إيمان.. ذهبوا.
لا أكتب إليك متفهما حالا، ولا متضامنا لفظا معك، فقد علمت أن العذر لا ينفع إلا قائله. وإنما أكتب إليك اعتذرا لطفلك.
طفلك الجميل الذي لم يبلغ في الصورة التي وصلتني شهره الثالث – تقديرا -، تذكرته قبل أيام وأنا أشتري ملابس العيد، وأزاحم آباء الأطفال وأماتهم في المتاجر، تذكرته وأنا أتلقى صور الأطفال فرحين بملابسهم، تذكرته قبل دقائق وقد أعيتني حيلة لوصله فلم أجد إلا الاعتذار.
ليسامحني طفلك.. يا إيمان.. ليسامحني طفلك.
أعلم أنه لا يدرك أنه ولد عام الخراب، وأنه لا يعرف شيئا عن القانون الدولي ولا الرقابة على حركة الأموال، ولا يعرف شيئا عن الولايات المتحدة ولا وسترن يونيون ولا بطاقة التعريف الموحدة ولا تطبيقات الهاتف المحمول.
لا يعرف شيئا عن اللجوء.. وآمل أن لا تطول محنتك فتدركه، ولكنك تعرفين.
كتبتِ أنك في الأردن.. وصدق ذلك رقم طويل ربما أعطاه جهاز حاسب آلي تعس لا يدرك معنى أن يكون إنسان بجسمه وعقله وروحه المعذبة وأطفاله وأحلامه محض رقم من عشرة رموز.. ولكنك تدركين.
هنا في أرض النفط والمال الباذخ وغابات الإسمنت وملاعب الغولف.. لستُ سوى رقم مثلك تماما.. نسبي رقم من عشرة رموز، وأموالي أرقام في جهاز غبي يتعامل معي تماما مثل ما يتعامل جهاز اللجوء الغبي الذي منحك رقما.
هنا يا سيدتي و- الكلام موجه إلى طفلك – جنسيتي رقم يحظر عليه أن يحول أموالا إلى شخص آخر لا يحمل الرقم نفسه.
وحين زرت رجلا يطيل المكث عند باب السوق يحمل صور أطفال مثل طفلك مستحثا أمثالي على العطاء، شرحت له رغبتي في أن يصل مالي إليك أنت عبر “جمعيته الخيرية” المؤتمنة على أموال المسلمين.. قال بكل بساطة: اتصل بهذا الرقم.
كان الرقم لموزع آلي يتعامل بالأرقام؛ “للصدقة الجارية اضغط الرقم واحد.. لكفالة يتيم اضغط الرقم… لبناء مسجد اضغط الرقم…” لم يكن من بين الخيارات لإرسال أموال إلى إيمان سلامة الرمضون اللاجئة السورية في الأردن اضغط على الرقم..”.
كيف أشرح لطفلك أنه ولد في عالم الأرقام؟!
كيف أفهمه أن الأمم المتحدة تعده من ضمن الملايين الخمسة من الأطفال المحتاجين إلى رعاية.. وإن لم تنشر اسمه على موقعها الرقمي؟
كيف أشرح له أن النشيد الرديء الذي كنت وإياك – على تباعد بيننا – نردده في طفولتنا “بلاد العرب أوطاني” محض كذب؟
عزيزي ابن إيمان.. وسامحني على مخاطبتك هكذا لأني لا أعرف اسمك..
حين تكبر ستعرف أن أمك امرأة عظيمة لأنها تكابد كي تعيلك، لم تبع عرضها ولا رمتك في ملجأ، ولا تركتك في حمص، ربما حين تبلغ الرشد ستعرف يوما أن المسافة من حمص إلى الأردن ليست بذلك القرب الذي تراه على الخريطة، وربما لا تكون هناك خريطة حين تكبر، ولكن عليك أن تعرف أن أمك امرأة عظيمة.
يمكن أن أبيت ليلتي هذه وأنا أكتب على هذا الجهاز الرقمي الذي يحول كلامي إلى أرقام، وأن أحدثك عن شيم العرب وأبي بكر الصديق وعثمان وطلحة وعن معن بن زائدة وحاتم الطائي وعن المعتصم.. ولكن ما فائدة ذلك..؟
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم..
ستنشر هذه الأسطر في أشهر المواقع والصحف في البلد الذي أحمل رقمه الوطني وسيقرأها آلاف من الناس، وربما أشاد بها بعضهم وربما تحمس آخرون وكتبوا شيئا اسمه “هاشتاغ #كلنا_إيمان_الرمضون وابنها ولكنهم ليسوا كذلك.. إنهم مجرد أرقام.
أما أنا فسأكتفي بالاعتذار، وعذري عاجز حتى عن إرضائي.. آمل أن تسامحني حين تكبر – إن كبرت يوما