غريبة هي خصائص المجتمع المفتوح ، ذلك الذي نشأنا فيه وترعرعنا وشربنا من معين عاداته وأعرافه حتى امتلأت العقول والبطون ،ففيه ليس الأمر كبيرا أن تتزوج المرأة من رجل وتذهب معه وتنعدم جميع مشاعر السعادة والطمأنينة في البيت بسبب تحكم النظرية التقليدية في العقول ثم بعد
أن تنجب الأولاد وتنهمك فيهم تُطلق وترد إلى أهلها وقد يكون ذلك الطلاق دونما جريرة أو إثم حسب الكثير من الحالات الشائعة فينا ،كما أنه ليس من المعتاد أن تخضع المرأة لزوجها ونخدم مصالح البيت الصغير الذي تتعانق فيه أحلامهم وطموحاتهم ، كما أن تأثيره ليس بالصغير حسب ما تقدم معطياته وما يرتبط بأمر الطلاق من عوامل تتحكم في أمور كثيرة مثل الإضراب النفسي والسرقة والتشرد والتسول والجهل ... وهذه حالة حيرت الباحثين مما جعلتهم يغربلون التراث الثقافي والاجتماعي للمجتمع بحثا عن ثقافات وعادات في الزمن الغابر مازالت حية تتشبع هذه الظاهرة من خصائصها ،فموريتانيا هي أكثر الدول العربية في نسب الطلاق بمعدل بلغ في 2012 نسبة 44% .فالمرأة المتزوجة في الدول العربية تكون أمام أختبار كبير وعظيم إذا فشلت فيه تفشل في حياتها الاجتماعية الأخرى ، على اعتبار أن المطلقة لا تصلح لشيء فإن كن فيها صلاح لما طلقها زوجها ، في الوقت الذي تدق الطبول للمطلقة فينا ويحصر الرجال عليها الرجال من جديد بحثا عن ودها وهذه حالة تعرض لها الباحثون أكثر من مرة ، إذ أنه ليست ثمة قواعد ولا معايير قانونية شديدة تمنع التفكك الأسري بل إن الموجود يحفز عليه أكثر مما يمنعه ، يتجلى ذلك في خلاف أهل الزوج مع الزوجة ـ فيستحيل في موريتانيا أن تجد أهل رجل راضين عن زوجته إلا إذا كانت ذات رأس مال كبير ،كما تعرض الباحثون في سبيل بحثهم عن خصائص تاريخية تتحكم في هذه الظاهرة ، لأنماط الزواج التي انتشرت في القبائل الصنهاجية قبل قيام دولة المرابطون ، بحيث تحدثوا على أنه كان للمرأة في ذلك الزمن رجالٌ يتزوجنها في وقت واحد لا رجل واحد ، من ذلك اشتقت ثقافة تعدد الرجال وإن بشكل مختلف ، فالمرأة يمكن لها أن تطلق كما شاء من يتزوجها كما يمكن لها هي أن تتزوج بمن شاءت بعد طلاقها وهكذا ... ، وهذا النوع الشائع هو أقرب إلى زواج المتعة من الزواج الذي هو سر الحياة وأساس وجود الوجود ، فمعروف أن الزواج في الإسلام هو ما كان مبنيٌ على عفة ، لا على شهوة ،ويستحل على من أراد العفة أن يُطلق إلا بحق ..!ثم أن الطقوس المعتمدة للزواج فينا في حد ذاتها تنبؤ بعدم تكبير وتعظيم المجتمع للزواج ولِمَا أقبلت عليه الفتاة ، وأقصد بذلك الثوب الذي تعد وتُزين به العروس ليلة عرسها ، وما يحيط به من شبهة وإملاءات توحي بالعجب ، فمعروف أن الأسود تواضعت العرب وجميع شعوب العالم على أنه ثوب الحزن والبكاء والحداد فلماذا فينا يقدم لتُهيأ به المرأة في مناسبة من أعظم الأمور وأهمها في حياتها (الزواج)تفسير ذلك واضح ويُقدمه المجتمع من خلال الثوب الذي يثير العجب وهو أن المرأة مهما بلغت ومهما كان مستواها ووضعها لن تجد مكانا أحسن من مكان الأب والأم إذ هما نبتها وأصلها وفخرها وليس الزوج الذي أصبحت معه إلا وسيلة لتلبية حاجات معينة تتواضع عليها الأم مع ابنتها وتوجهها على حسب ذلك ...!فعلى الفتاة أن تحزن وتلبس الأسود بدل الأبيض ف ليلة عرسها لأنها مغادرة لذلك الكنف ، وهو أمر يوضح عدم اهتمام المجتمع ببناء الأسر وعدم تحميل الزوجة واجباتها كاملة ، فإذا لم يرضى الزوج وشاء أن يستخدم الزوجة لمصلحته ولمصلحة أسرتها وأولادها فخلفها بيت أبيها يرحب بها وهذا هو ما ساعد في انتشار الطلاق فينا ...ليس الأمر واقف على الفتاة وأهلها بل لأهل الزوج نصيب في ذلك وربما هو الأكبر ، فإذا ذُكر الزواج في موريتانيا ذُكر كذلك خلاف أهل الابن مع زوجته وعدائهما الذي لا يحتاج سببا ليشعل بل يكفي أن يتزوج الابن حتى تستعد الأم والأخوات لمواجهة عدو جديد وشخص يكيلون له المكائد مناً عليها بابنهم ، يضاف إلى ذلك الفرص المفتوحة للرجل وهو في قفص زواجه ، فيمكن للمرأة أن تصبر لزوج يبحث عن غيرها وعن المتعة بالحرام عليها ولكن لا يمكن أن تصبر لرجل يريد الحلال عليها ويريد أن يتزوج أخرى معها ، وإن كان أمر زواجه بالأخرى واقف على رضائها ، فخير لها أن تقبل بالحلال على أن تتكتم على الحرام وأي حرام (الثيب الزاني) ...! وبغض النظر عن الأسباب الأولية التي يعددها الباحثون والتي يمكن أن تساهم في الطلاق مثل ( الزواج دون الرضا ، والفارق العمري بين الزوجين ، والثقة المعدومة بين الزوجين في البيت ، وتدخل الأهل ...) وما إلى ذلك من أمور تحرك الظاهر وتتحكم فيها ، فإن وضع الأسرة الموريتانية هشٌ ويجب أن تُسن قوانين عرفية جديدة للحد من الطلاق والمحافظة على بناء الأسرة والحيلولة دون وقوع ما يترتب على الطلاق من مشاكل نفسية واجتماعية ... يمكن أن تفسد أخلاق المرأة إذا لم تكن لها وظيفة لكي تعيل على الأبناء كما تعرض الأطفال لصدمات وهزات نفسية قد تودي بهم في متاهات أخرى خبيثة ومظلمة ، وذلك في يد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة .