في الأسابيع الماضية تم عرض الفيلم السينمائي: "المتطرف"الذي يحمل توقيع المخرج الشاب سيد محمد ولد الشيكر ، رصد الفيلم ـ حسب مُخرجه ـ بؤر التطرف والعنف في المجتمع الموريتاني ويقدم المحظرة بوصفها وكرا من أوكار الإرهاب ومادة أولية لصناعة العنف والكراهية داخل المجتمع..!
واستجابة لنداء الضمير المتوجِّع بفعل محاولات طمس الحقائق وتزوير الوقائع أردت أن أدلو بدلوي في معالجة هذا الموضوع والتعليق عليه من خلال النقاط التالية:
1) من حيث المبدإ ليست المحظرة كيانا أوتابوها مقدَّسا يتسامى على النقد البناء والملاحظة العلمية الرصينة لكنها بالفعل تتسامى عن الأراجيف والأكاذيب.
أن تأخذ على المحظرة مثلا انعدام المنهج النقدي في مقرراتها التربوية وغياب روح الاجتهاد وطغيان"النقل" على "العقل"..الخ فذلك أمر مستساغ؛ لكن أن تقدم المحظرة بوصفها خليةمن خلايا الإٍرهاب "النائمة" وتلصق بشيوخها الربانيين وعلمائها الأجلاء تُهم الفناّنين والرياضيين (الاغتصاب والتحرش) فذلك مالايمكن تصديقه!
أن تريني القمر بعد منتصف النهار أسهل بكثير من أن تقنعني بذلك ياولد الشيكر.
2)منذ أن وطئت أقدام الإمام عبد الله بن ياسين هذه الثرى وحتى يوم الناس هذا والمحظرة تحافظ بخطابها العلمي والتربوي على قيم الاعتدال والتوازن ونشر الخير وتعليم الناس ودعوتهم بالتي هي أحسن.
لقد فندت المحظرة الشنقيطية بـــ"بداوتها العالمة" نظرية عالم الاجتماع العربي عبد الرحمن بن خلدون التي تجعل من العلم ربيبا للحضارة والتمدن.
وبقيت صمام أمان لهذا المجتمع المسلم من خطر الاستعمار والاستلاب الثقافي؛وأهلته بعطائها المعرفي الثَّر لأن يصبح المجتمع البدوي الوحيد في العالم الذي يحمل ثقافة مكتوبة..!
(العهدة في هذا الحصر على المؤرخ القدير:المرحوم محمد مولود ولد داداه "الشنافي").
أبعد كل ذلك العطاء والتميّز يأتي سينمائيون حديثو الأسنان سفهاء الأحلام لم تعرفهم المحظرة ولم يعرفوها ليقولو:المحظرة إرهاب...المحظرة عنف...المحظرة اغتصاب..؟!
وإذا أتتك مذمتي من ناقص@@ فهي الشهادة لي بأني كامل
المحظرة أيها "المتطرف" قبل "الإرهاب" وقبل "11 سبتمبر" وقبل"الديمقراطية" وقبل "الحقوق"...إلخ
المحظرة أقدم وأكبرمن كل ذلك...أقصرو..
3)في الفيلم السينمائي يلتقط "المتطرف"خيطا واهيا للربط بين المحظرة والإرهاب بحكم أن بعض عناصر الجماعات المسلحة درسوا في المحظرة أومرو بها ذات يوم ...
ويجهل أويتجاهل أن أغلب هؤلاء العناصر مهندسون وأطباء وفنيون سامون وتلك تخصصات لم تكن من المقررات اليومية للطالب المحظري..!
درس أغلب هؤلاء"المتشددون" في مدارس وجامعات غربية فهل من المنطق وحصافة الرأي أن نقول بأن جامعات جورج تاون وهومبولت وكامبريدج جامعات إرهابية.؟!
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة @@ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
4) زواج السينما بالسياسة يمنح هذا النوع من الأعمال شهرة أوسع ودور عرض أكبر؛ إذ أنه بمجرد تطرق "المخرج" لمثل هكذا مواضيع يحصد الجوائز والتكريمات ويتغلب على نقاط ضعفه الفنية تماما كما حدث مع فيلم "تيمبكتو" للمخرج عبد الرحمن سيساغو..
إنها فعلا بداية مسلسل "ثقافي" يهدف بالأساس إلى طمس الهوية الإسلامية تحت يافطة السينما واستنبات قيم مغايرة لقيم المجتمع المسلم.
لكن وكما تصدت المحظرة في السابق لثقافة المستعمر وهويته ستتصدى اليوم وغدا لكل من تسول له نفسه بهوية وثوابت المجتمع المسلم.
(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض)5)أعود إلى عبقرية المحظرة....
هل أتاك أيها"المتطرف نبأ اكتشاف ذلك الشاب الذكي لمظهر من مظاهر العبقرية في مناهج التعليم المحظرية المتمثلة في "الطـرة".؟
براءة الاختراع المسجلة للعبقري الموريتاني صلاح الدين ولد أحمد تثبت أن الطرة ليست إلا شبكة عنكبوتية صغيرة؛حيث تأسست الإنترنت على فكرتين أساسيتين: فكرة النص الفائق أو المتشعب وفكرة الخارطة العقلية وهذا ماكان يطبق بشكل جلي في الطرة الشنقيطية وإن كانت الطرة متقدمة تاريخيا على اكتشاف النص الفائق كخيال علمي عام 1945.
لاعليك أيها "المتطرف"...أنت تجهل المحظرة وأدب المحظرة وأخلاق المحظرة وتاريخ المحظرة؛ومن جهل شيئا عاداه.... سلاما
محمد ولد الشيخ ولد بيدَّ
عميد القراء الموريتانيين.