قضايا تاريخية : الدولة العثمانية والإسلام من منظور ألباني

سبت, 2014-07-19 04:52

الألبان، بالمقارنة مع العرب، لعبوا دوراً أكبر في الدولة العثمانية حيث كانوا يمثلون قوتها الضاربة في أوروبا والنخبة العسكرية والإدارية والعلمية. فقد وصل إلى منصب الصدارة العظمى حوالى أربعين ألبانيا ووصل إلى منصب شيخ الإسلام عدة ألبان، بينما لدينا عشرات الوزراء والقادة والولاة والقضاة الذين خدموا في الولايات العربية، وبرز من هؤلاء محمد علي باشا الذي حكم هو وأسرته مصر خلال 1805-1953.

ولكن في الوقت نفسه يتسم التأريخ الألباني بروح قومية قوية أرست في الكتب المدرسية صورة سلبية عن الآخر (الأتراك والدولة العثمانية)، وهو ما تعمق أكثر خلال الحكم الشيوعي سواء في ألبانيا أو في يوغسلافيا (التي كانت تضم نصف الألبان).

وعلى رغم دور تركيا في مساعدة ألبانيا على تخطي مرحلة الانتقال الصعبة إلى الديموقراطية خلال 1990-1992 ومساعدة كوسوفو على الاستقلال في 1999-2008 إلا أن الموقف الأكاديمي أصبح يتراوح بين تركة الماضي القومي - الشيوعي ونزعة الحنين إلى الماضي العثماني التي تغذيها تركيا بترميم التراث العثماني وفتح المدارس والمراكز الثقافية والاستثمار في الاقتصاد والدين الخ.

ومن هنا، ومع السجالات المتواصلة بين الأكاديميين الذين ينتمون إلى الفريقين المختلفين حول مكانة الدولة العثمانية بالنسبة للألبان، قررّ قسم التاريخ في «مركز الدراسات الألبانية» الذين يعتبر من أعرق المؤسسات البحثية (تأسس في 1953) أن يخصّص ندوته السنوية لموضوع «الألبان في الدولة العثمانية» التي عقدت في 18 حزيران (يونيو) 2014 واشتملت على 24 ورقة تناولت مختلف الجوانب لمشاركين من كوسوفا وألبانيا ومكدونيا وتركيا والأردن.

وبسبب التجاذب في الأوساط الأكاديمية حول الموقف من الأتراك والدولة العثمانية حفلت الندوة ببعض الأوراق التي تناولت المسائل الخلافية (الفتح العثماني وانتشار الإسلام الخ).

ففي ورقة المؤرخ الألباني بلومب جوفي برز التمييز الأوروبي بين مصطلح «الأتراك» الذي كان يقصد به كل المسلمين في أوروبا العثمانية وبين «الألبان» المسلمين الذين كانوا يقاومون الحكام الأتراك. واسترعى موضوع إسلام الألبان ونتائجه، وهو من المسائل الخلافية، انتباه عدة أوراق.

 فقد تناوله المؤرخ الكوسوفي الياس رجا في ورقته «سيرورة أسلمة الألبان في كوسوفا ومكدونيا خلال الفترة العثمانية المبكرة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر»، كما تناوله بشكل مختلف المؤرخ الكوسوفي لولزيم لايتشي في ورقته «المناطق الألبانية عشية الفتح العثماني».

ففي هذه الورقة رفض لايتشي ما يقال عادة عن الدافع لانتشار الإسلام عند الألبان (التهرب من الجزية والتخلص من خطر الذوبان في البوتقة السلافية) حيث ذهب إلى أن الجزية المحددة على الألبان المسيحيين لم تكن بذلك القدر التي تدفع الألبان إلى تغيير دينهم، وانتهى إلى أن السبب وراء ذلك هو «حرص الألبان على البقاء».

وفي هذا السياق أشار المؤرخ الكوسوفي جون بريشا في ورقته «دور بطريركية بيا في التطورات الثقافية والدينية والسياسية في كوسوفا خلال المرحلة العثمانية» إلى أن مشكلة الكاثوليك الألبان لم تكن مع الأتراك (الذين لم يجبروهم على اعتناق الإسلام) بقدر ما كانت مع البطريركية الأرثوذكسية التي كانت تضغط عليهم لاعتناق الأرثوذكسية مما كان يضطرهم لدفع مبالغ مالية من حين إلى آخر حتى يبقوا على كاثوليكيتهم.

وطالما أن انتشار الإسلام مرتبط بالفتح العثماني للمناطق الألبانية الذي استمر حوالى القرن (من نهاية القرن الرابع عشر إلى نهاية القرن الخامس عشر) فقد أثارت الورقة المشتركة التي قدمها المؤرخان الشابان آغرون اسلامي وريزارت مزاني في ورقتهما «سياسة التوسع العثماني في البلقان والمناطق الألبانية خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر» حيث قدما صورة وردية عن الفتح العثماني وكيف أن السكان تقبلوا ذلك الفتح بسبب عدالة العثمانيين، ردود فعل قوية ذكّرت بالمقاومة الألبانية والحروب الألبانية – العثمانية خلال القرن الخامس عشر وهجرة عشرات الألوف من ألبانيا الجنوبية إلى إيطاليا المجاورة حيث لا يزال يعيش أحفادهم إلى الآن في جنوب إيطاليا وصقلية.

ومن ناحية أخرى فقد ركز بعض الأوراق على ما خلّفه الحكم العثماني الطويل (حوالى 500 سنة) في المناطق الألبانية. فقد أبرز المؤرخ الكوسوفي محمد موفاكو في ورقته «دور الوقف في نشوء المدن الجديدة في المناطق العثمانية خلال الحكم العثماني» الدور الذي ميّز الوقف في البلقان واختار ست مدن في ألبانيا وكوسوفا (كورتشا وكاتشانيك وكافايا وبتشيني وتيرانا وجاكوفا) التي كانت عبارة عن قرى بسيطة إلى أن قام أبناء المنطقة ممن وصلوا إلى مناصب عالية في الإدارة العثمانية ببناء نواة عمرانية في كل واحدة (جامع ومدرسة وحمام وسوق الخ) ما جعل كل قرية تتحول إلى «قصبة» تتطور لاحقاً إلى مدينة وحتى إلى عاصمة كما هو الأمر مع تيرانا. وفي هذا السياق تناول المؤرخ الكوسوفي ناصر فيري في ورقته «العناية غير المناسبة بالتراث الثقافي للمرحلة العثمانية» أهمية ما بني في كوسوفا من جوامع (كجامع السلطان محمد الفاتح في بريشتينا الذي يعود إلى 1462) ومدارس ومكتبات وحمامات وخانات وغيرها وإلى عدم الاهتمام الكافي بالآثار الإسلامية في الوقت الذي يتقبل به المحيط الآثار المسيحية متسائلاً عن السبب في عدم وجود «متحف للفن الإسلامي» في كوسوفا. ومن ناحية أخرى فقد ربط الباحث الكوسوفي المتخصص في الدراسات العثمانية بين هذا وذاك بالتركيز في ورقته على الأسر الألبانية التي ظهرت خلال الحكم العثماني (فلورا وجينولي وروتولي وغيرها) التي حكمت بالوراثة بعض الألوية أو الولايات في المناطق الألبانية.

بالإضافة إلى ذلك حفلت الندوة بأوراق تستعرض بدايات الدولة العثمانية وما حملته من نظم اقتصادية وقضائية لتصل إلى نهاية الدولة مع اندلاع الحرب البلقانية نهاية 1912 وانهيار الحكم العثماني أمام هجوم جيوش التحالف البلقاني (بلغاريا وصربيا والجبل الأسود واليونان).