صادق من يقول إن النشيد الوطني غير قرآن ولا حديث وبالتالي فلا حرمة شرعا لتغييره.. لكن ما بهذه الحرفية – بفتح الحاء وسكون الراء- في الطرح تدار نقاشات مثل هذا النوع من القضايا.
ليست المشكلة في تغيير الكلمات واستبدالها بأحسن منها في بلد المليون شاعر والمليون متحفز .. لكن المشكلة تكمن في فتح صفحة التطاول على الرموز والعبث بها تحت طائلة "التغيير" للأفضل.. لم يقل أحد ولن يقول إن كلمات النشيد كانت وراء أزماتنا وتأخرنا.. ولم يقل أحد ولن يقول إن كل مشكلاتنا ستجد الحلول الناجعة حال تغيير كلمات النشيد.. أمور كثيرة وإجراءات عدة تتطلبها الجمهورية الإسلامية الموريتانية لتصحح الأخطاء وتسير على الدرب السليم قبل الالتفات لكلمات النشيد الوطني
في هذا السياق يجب التنبيه إلى أن القضية ليست في الحدث ذاته بقدر ماهي في مآلاته ودلالاته وما يترتب عليه وهي أمور يهتدي لها العقلاء لا اعتراضا على أمر في ظاهرة بسيط ومصلحة، ولكن لاستشراف المستقبل
وهنا تكمن "حكمة" إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه حينما هم خليفة المسلمين هارون الرشيد أن يرد بناء الكعبة على ما فعل ابن الزبير رضي الله عنه فقال له" ناشدتك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت ألعوبة بيد الملوك لا يشاء أحد إلا نقص البيت وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس" وهي قاعدة عظيمة في كل شأن قد يؤدي تغييره إلى ذهاب رمزيته وفتح الباب أمام كل "متمكن" أن يغير وفق هواه ويبدل وفق مزاجه.. ولو افترضنا سلامة الإجراء الحالي لا نأمن سلامة إجراء قادم يتخذه " متكمن" مقبل سلك النهج ذاته وخاض التجربة عينها
دعونا تفق على حل كل المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبلد.. وحينما نتفرغ ونأخذ استراحة محارب بعد ذلك نولي وجوهنا شطر كلمات النشيد..ولن يعجزنا شاعر يجنح بخياله ويغوص في ثنايا لسان الضاد فيبرزها "عصماء" تغري العذارى وتسبي النهى
أما قبل ذلك.. فلا يعدو الأمر أن يكون مضيعة للجهد والوقت .وفاتحة لخلخلة رموز الدولة والعبث بها وفق النزعات والأهواء.