يمكنني الحديث إليك سيادة وزير الصحة بدون ابروتكولات، . بحكم صداقتنا التي سبقت تعيينك وزيرا بعدة سنوات.سيدي أحمدو حدمين جلفون / لا أتحدث إليك باعتباري صحفيا يخاطب مسؤولا حكوميا،. ولا حتى باعتباري ممرضا يخاطب الوزير الوصي عليه
ببساطة أخاطبك باعتباري صديقك حبيب الله، المواطن الموريتاني البسيط، الذي يريد أن يوصل إليك رسالة، ربما منعتها الجدران "العازلة" من الوصول إليك.سيدي، الآن ـ وفى هذه اللحظات ـ في كل مستشفى، ومركز، ونقطة صحية، ومعشبة، و"محجبة"، بالعاصمة عشرات المصابين بحمى غامضة، على الأقل بالنسبة لمرضى كل ما يعرفونه عنها أنها تلحق بهم بالغ الأذى، ارتفاعا في حرارة الجسم، وصداعا، و إقياء ،وضعفا للحالة العامة ،ويمكنك الآن زيارة أي قسم للطوارئ بالعاصمة، لترى بأم عينيك طوابير لانهاية لها من المرضى، مع مرافقين أكثر حيرة وتساؤلا من "رفاق" عبد الحليم حافظ، وهم يسألونه من تكون حبيبته..؟!!نعم مرافقون حائرون، حيرة معظم الأطباء والممرضين، الذين تتشابه أمامهم أعراض الحميات تشابه "البقر" على بني إسرائيل، وتشابه "الأوراق "في الغابات على رأي نزار قباني، كيف لا ولا وسيلة فحص دقيقة ،ولا خطة علاج موحدة، ولا معلومات مركزية عن هذه الحمى، أما الأدوية فيمكنك التحري عن مصادرها لدى "دكاكين" توزيعها المعتمدة لدى وزارتكم..!!سيدي، بلغ السيل الزبى، فهذا وضع لا يطاق، ولا سكوت عليه، حتى " أخرس الشياطين" لم يعد بمقدوره السكوت .!! وقد ضجت العاصمة بالمرضى، فلا ترى في المستشفيات إلا مريضا يتأوه، أوطبيبا حائرا منهكا ،يعمل فوق طاقته، أو مرافق مريض يرسم دربه ـ على مدار الدقيقة ـ بين سرير مريضه و"صيدلية المداومة" خارج المستشفى، فصيدليات المستشفيات ليس فيها إلا "رسالة بريد صوتي" كتلك التي يلقاها المواطن عندما يهاتف وزيرا أو مسؤولا حكوميا عبر إحدى شبكات الاتصال الرديئة وراثيا، ( هذا الدو ما هو عندن خرصلو عند الصيدليات كدام الطب) ..!! سيدي، الجميع مرضى بهذه الحمى الغامضة ، فساكن العاصمة إما أنه مصاب يتعالج، أو يعالج أخاه أو أخته، أو زوجته أو ابنه، أواحد أفراد عشيرته التي تؤويه، أو احد جيرانه .المرضى ومرافقوهم قادمون من كل فجاج العاصمة، من شماليتها وشرقيتها وجنوبيتها، من عرفات، والميناء، والسبخة، وتيارات، ودار النعيم، وتوجنين، والرياض، ولكصر، وتفرغ زينه.هذا يسند هذا، وهذا يهادى بين رجلين ، وهذه تتعثر قبل أن يحملوها إلى السرير الطبي، ولا تسألني عن الفقر والفاقة والبؤس والعجز عن تحصيل تعرفة النقل، وثمن الدواء، أما الغذاء والماء والكهرباء ، فأنت هنا في العاصمة، وعشت فيها ـ قبل الوزارة ـ كل الظروف التي تجعلك تتفهم مأساة هؤلاء المواطنين.تحرك يا سيدي، فغيابك، وغياب وزارتك، وخليتك الإعلامية ، ترك فراغا ملأته الأحزاب السياسية بالتخمين والتشخيص الجزافي، وملأته الصحافة بالشائعات وضرب الأخماس في الأسداس، والرجم بالغيب.!!سيدي، فعل خليتك الإعلامية، وشكل خلية أزمة، تقول للمواطنين ـ قبل الساسة والصحفيين ـ شيئا أي شيء عن هذه الحمى، فقد عصف بهم الخوف، وأرهقتهم المعلومات والتسميات المتضاربة، فمرة يجزم لهم حزب سياسي بأنها "حمى الضنك" ،ومرة يقال لهم إنها "حمى عرفات" ،ومرة "حمى تيارات" ، ومرة تشخص لهم جزافا باعتبارها "تيفوئيد"، وأرحم الناس بهم من يقول لهم إنها "حمى الملاريا" التي ألفوها والفتهم، حاربوها وحاربتهم..!!اترك لأطبائك حرية الحديث للناس بصدق، فأنت تكمم أفواههم عبر خليتك الإعلامية "النائمة" ، التي لا تتحدث للعموم عن أي شيء يتعلق بصحة المواطنين والوضع الطبي في البلاد، ولا تترك أحدا يتحدث لهم عن ذلك .!!سيدي، لابد من خلية أزمة بها أطباء ومخبريون، وإعلاميون وباحثون متخصصون، تجتمع وتتدارس، ثم تتحدث للناس بصراحة وصدق ومهنية، لتجيب عن الآتي :ـ ما هي طبيعة هذه الحمى؟ـ كم عدد الإصابات المسجلة حتى الآن؟ـ هل هي معدية؟ـ ما هو اسمها بالضبط علميا ومحليا وبمختلف اللغات الوطنية؟ـ ما هو "لبروتكول" الدوائي الموحد والمعتمد للتعامل معها في المستشفيات الوطنية؟ـ ما هي طرق الوقاية منها؟ـ وأية مقاربة تحسيسية توعوية متبعة من طرف الحكومة لمواجهتها؟سيدي، لا تخجلوا من القول إنه ليست لديكم إمكانات مخبرية للتحري عن طبيعتها، الأمر بسيط، والرئيس نفسه على علم بذلك النقص، ولن يعفيكم من مهامكم إذا قلتم له وفر لنا مخبرا متكاملا، أو على الأقل اربطنا بمستشفى "بيرسى" في باريس لنرسل له عينة فحص عله يساعدنا في تحديد طبيعة هذه الحمى اللعينة، وحتى لو أعفاك الرئيس فلا مشكلة، فأنت إطار وطني نظيف، ولن تضيق عليك الأرض بما رحبت إذا تم إعفاؤك من مهامك، وأعرف أن صحة المواطنين والمصلحة العليا للوطن الموريتاني تهون في سبيلهما لديك كل مصاعب الحياة ،فأنت من جيل سياسي نظيف ووطني وصارم المبادئ، وسباق إلى التضحية والبذل دفاعا عن القيم الوطنية والإنسانية.سيدي، لا تحتاج ـ تبرئة للذمة وفى هذا الوقت العصيب والحمى تفتك بنا جميعا وفصل الخريف يستثير جيوش "الإمراض" ـ لأكثر من تحمل المسؤولية بصدق وصبر وشجاعة ورباطة جأش، وذلك بتسمية خلية أزمة تبدأ البحث والتقصي فورا ،وفى كل مستشفيات البلاد، ولا عار في أن تستعين بخبرات أجنبية، أو ترسل عينات فحص إلى الخارج عبر علاقاتكم الواسعة مع الشركاء الطبيين في العالم، بل العار ـ كل العارـ أن تقف مكتوف الأيدي أمام هذه الوضعية لتبكي ـ كالنساء ـ ضحايا لم تسعفهم ،ولم تتحرك لإنقاذهم كالرجال.سيدي، لا أريد تعيينا ،ولا تحويلا، ولا "دفتر محروقات"، ولا حظوة من أي نوع ، لا أريد ثمنا للسكوت ، ولا ربحا من الكلام ، كل ما أريده هو أن أبلغك رسالة عشرات المواطنين المنكوبين في بلد لا ينبغي أن يكون مواطنوه بكل هذه التعاسة، وهم ينامون على أرض سمكها وحديدها وذهبها ونحاسها أكثر من سكانها.!!هذه رسالة عاجلة ،لا تحتمل التأخير، و حسبي أنني حملتها إليك، والكرة في مرماك سيدي، وأعرف أن جولة بسيطة بين منازل الناس تكفيك، فلا تعدم ـ وأنت تقطع زقاقا أو تجتاز ناصية ـ أن تسمع سعالا، أو مغالبة قيئ، أو هذيان محموم، أو صراخ مفجوعين بمريض أعيتهم الحيلة لعلاجه، ولعلمك سيدي، فالمريض ومرافقوه قد يقضون أسبوعا بين المستشفيات الحكومية، والعيادات الخاصة و"المتفتفات" الخفية، لأنهم ضحية "اجتهادات" طبية بعضها يصيب، وغالبها يخطئ، فهذا طبيب غير مقتنع إلا بأنها "ملاريا"، وهذا آخر يراها"ضنكا"، وثالث لا يراها إلا عرضا لا يستحق أكثر من خافض بسيط لدرجة الحرارة وهكذا، وما ينبئك مثل خبير..!!سيدي، أحمدو حدمين جلفون، لاحظ أنني خاطبتك خطابا عائليا، كأخ وصديق، لكي لا تحول "لبروتكولات" بيني وبين مصارحتك بالحقيقة، وضعا للنقاط على الحروف، فقد من الله سبحانه وتعالى علي بأنني لست مواليا، ولا معارضا ،لا يحركني خوف ولا طمع، لا تهزني "عصا " فوقى ولا تستميلنى "جزرة" أمامى، فبوصلتي ـ أولا وأخيرا ـ وأتمنى أن تكون أنت أيضا كذلك، هي موريتانيا ومصلحتها العليا ،أرضا وشعبا وكرامة.سيدي تحرك وبصفة شخصية، فالوقت يضيق، والمأساة تتفاقم، ولا تنتظر مستشارا، ولا مفتشا، ولا أمينا عاما، ولا مسؤولا في الوزارة، ولا مدير مؤسسة طبية، فلو كانوا يخلصون لك الود والنصح لوضعوك في الصورة عند بداية الحمى، قبل شهرين من الآن، لكنهم مشغولون ـ ولا أعمم ـ بما أعرف أنا، وتعرف أنت.!!إنهم يغرقون بك السفينة تعتيما وإهمالا واستخفافا بمصالح البلاد والعباد، فاقفز منها إلى المستشفيات قبل فوات الأوان، واتخذ القرار العاجل والحاسم والشجاع، بوضع حد فوري لهذه الحمى، ومواجهتها، وقطع الجدل الدائر بشأنها، طبيعة ومسارا وعلاجا وأفق وقاية. نقطة نهاية.