متفقون أن حياة القواعد الدستورية متعلقة بالأوضاع التي تحكمها ومدى مسايرة هذه القواعد للمستجدات التي تطرأ على حياة المجتمع بكافة مسمياتها فإن هي عجزت عن مسايرة هذه الأوضاع فلاشك تظهر الحاجة إما إلى تعديلها جزئياً أو تغييرها أو إلغائها كلياً،
لكن أية ظروف تدفعنا الآن لتغيير المواد المكرسة للتناوب السلمي على السلطة بموريتانيا ، أي دواعي تدفعنا الآن لاغتصاب المواد المحددة لمأمورية الرئيس ، وما الدافع الآن لتغيير الدستور غير تكريس دولة الفرد الواحد والديكتاتور والمستبد وشرعنة مفضوحة للتمرد على القانون والدستور والشرعية الشعبية ، وبداية قطع شريط الحماقة والأحقاد والمناكفات السياسية التي لا نهاية لها ، وإعلان صريح لفتح باب الفوضى بين مكونات الشعب في ظل مرارة تنتاب الخائفين من استمرار نظام التزوير والتدجين واغتصاب الديمقراطية , و استمرار وجع الانقلاب،
فمنذ قدوم نظام عزيز وموريتانيا تعيش خرابا سياسيا واجتماعيا ، ولا يمكنها الآن في مأموريته الثانية والأخيرة كما حدد الدستور أن تتحمل الإرهاق الدستوري ، دعونا نحترم الوفاق الوطني ونمضي بالثقافة السياسية إلى الأمام من خلال تجسيد التناوب السلمي على السلطة ومنح الدستور هيبته ، ومنح لموريتانيا مكانتها السياسية إفريقيا وعربيا وعالميا بتجسيد تناوب ديمقراطي دستوري كما نص على ذلك الدستور،
فمن يسعى الآن لتعديل الدستور أو مراجعته لا يريد لهذا البلد الاستقرار والاستمرار في خارطة طريق التناوب الديمقراطي، ولا يريد أن تظل الكلمة العليا للدستور باعتباره القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ، واضعا الحدود التي تحدد المأمورية بمأموريتان غير قابلتان للتغيير، والنصوص الدستورية ليست مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الأجيال إليها، وإنما هي قواعد ملزمة لا يجوز تهميشها أو تجريدها من آثارها ، ولا يجوز بالتالي أن تفسر بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها، ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ تغير متى شاءت.
إن أي محاولة لتغيير الدستور في الوقت الآني محاولة إنقاذ مفضوحة وخجولة لنظام ورقي انتهت صلاحياته ، فالمأموريات الحالكة فضحت الخداع وأكدت للشعب كذب الشعارات وتعري وجه الوعود والانجازات الزائفة , ، فكفى انهيارا لطبيعة الدولة إذ تؤكد كل المؤشرات والدلائل أننا نعيش في وطن منهار وينهار .... فالبلد في حالة تلبد شاملة ، والدعوة لتعديل الدستور الآن بمثابة خرق للإجماع الوطني وتهديد للاستقرار السياسي وإعلان لهدم الدولة الدستورية الموريتانية ودعوة لمرحلة انقلابية متواصلة تكرس مزيدا من حكم الفرد والانسداد والديكتاتورية وفقدان الثقة في أي توافق وطني , وخطوة لتوظيف الدستور من أجل طموحات شخصية تضر البلد ومستقبله السياسي، وكأن الدستور ليس سوى إعلان حسن نية حتى يتم تغييره بالبساطة التي ينادي بها المطبلون المرضى الراغبون في انتهاك أحقيتنا في وجود ثقافة ديمقراطية تناوبية ,لأجل بقاء عزيز على سلطة حددت مأموريتها سلفا.
ليحترم عزيزهم نفسه أولا ، وليحترم هذا الوطن ، فهو زائل والوطن باق والدستور مقدس يحرم تغييره ، فكفاية 10 سنوات ، فأي غرض من تغيير الدستور الآن ؟ , هل من أجل مصلحة البلد ؟؟؟؟؟...كما يتقول زورا دعاة اغتصاب الدستور ، هل الدولة كلها أصبحت تتجسد في ذات عزيز ومصلحته الشخصية لبقائه في الحكم، وكأن "الدولة هي عزيز وعزيز هو الدولة " ، فيكون علينا من المقتضى أن نطوع ونذعن له دستورنا ليظل يتربع على السلطة بعد أن أذعن البلد كله عنوة واختطف إرادة الشعب ظلما وقهرا وهدد الأمن بشراسة،
لنصل جميعا لقناعة ـ أنه إذا ما ظل الصمت سيد مواقفنا اتجاه الإعلانات التطبيلية التي تخرج هنا وهنا ، داعية تارة للتمزيق أوالتغيير أوالتعديل أوالرمي في حق الدستور فالبلد مقبل على أيام عصيبة ـ مفادها أن نظام عزيز المغتصب لكل ما هو ذا شأن في هذا البلد يسعى لتنفيذ حكم الإعدام في حق دستور لا يمنحه شرعية مأمورية ثالثة،
لكن على الجميع أن يتيقن أنه لا يجوز لأحد أن يخالف ما جاء في الدستور الذي كان صريحا في بابه الحادي عشر حول مراجعة الدستور المادة 99 : الفقرة الثالثة "لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمى إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقا لما تنص عليه المادتان 26 و28 المذكورتان سالفا "
فهكذا يتضح جليا أن الدستور الموريتاني واضحا في تأكيد الحظر الجزئي كما حظر الدستور الفرنسي الصادر عام 1946 تعديل النص الدستوري الخاص بالشكل الجمهوري للحكم وذلك حماية لما تقرره هذه النصوص ولتوفير دواعي الثبات لها ، ومن هنا يتوجب أن نعمل على أن يظل الدستور يعلو على الأشخاص يسمو على الرؤساء مهما كان مستوى إنجازهم للوطن ، ولعله من صدق القول أن الظرفية الراهنة لا تعتبر مواتية لتغيير الدستور ، وأي تغيير دستوري في المناخ السياسي الحالي المتلبد يشكل انتكاسة حقيقة في جميع الأصعدة ، " وقد سئل أحد الخبراء عن كيف يمكن ضمان استقرار دولة ضمن محيطها الإقليمي؟ فأجاب: لا بد من توافر ثلاثة عناصر جوهرية ، وهي : الغذاء والجيش والثقة ، فقيل له ما إذا كان ممكنا التضحية بعنصر واحد من هذه الأضلاع الثلاثية ، فقال: "الجيش"، وعما إذا كان ممكنا الاكتفاء بعنصر واحد فقط، فأجاب: "بضرورة التضحية" ب"التغذية " والاكتفاء " بالثقة" ،إنه يقصد الثقة في المؤسسات ولا يمكن أن تتأتى تلك الثقة ما لم نضمن ثقة كبيرة بالدستور ومكانته ، فالتآمر الآن الذي يدبر له ضد الدستور وترسم خطوطه العريضة في أروقة القصر الرئاسي وينظر لها جنود كتيبة النظام الحاكم ، ويفكر في مفاجئتنا بها تهدف في كل ما تهدف إليه تكملة حلقات مسلسل انهيار هذا البلد.
نقولها اليوم وغدا بأعلى صوت : لا تلمسوا دستورنا ، اسلبوا ما تشاؤون ، انهبوا ما لذ وطاب لكم من خيرات البلد قبل فوات الأوان ، لكن رجاء اتركوا لنا الدستور لا شيئا آخر ، حاوروا وناوروا ناقشوا وطبلوا ما شئتم وتشاؤون ، ولكن لا نريد منكم لعبا بدستورنا ، دعونا منكم ، دعوا لنا الدستور، لا نريد تغييره الآن على الرغم من علاته...
لا نريد بأقل من ترك عزيز للسلطة ومحاكمة عادلة له ... وترك دستورنا على ما هو عليه مهما كانت وضعيته وانتقاداتنا له ، افتحوا عيونكم لما يعاني منه البلد من حالة صعبة للغاية ، لا تقربوا تغيير الدستور مع نظام منتهي الصلاحية حتى تضمنوا رحيله الأبدي من السلطة ، ولتتأكدوا أن أي تغيير لا يفضي بإخراج عزيز من السلطة لا معنى له ولعب بالشعب وفي الشعب وبحق الشعب ، لا تقعوا في الفخ رجاء ، لا تنخدعوا ، لا تدعوه يخذلكم ويعمل عمله بكم ، لا تدعوه يستمر في اختطاف وتهديد أمن البلد وسلمه ، فعزيز منهار وينهار...
وبعد أن سقطت هيبة كل مقدس في عهده ، أتى دوره ليكمل إسقاطه المتكرر لكل ماله هيبة في عيون هذا الشعب وها هي المرحلة آنت على الدستور ، فالرجل في حالة تخبط بعد شعوره بدنو أجل نظامه إلى الأبد ، ويحاول الآن أن يمكث بنفسه ما شاء له الزمن في السلطة وتناسى أن الشعب لا يريده ولا يقبل به في مأمورية ثالثة ...وأن كل الذين يعارضونه في الصمت سيدفعهم سلوكه المجنون لتغيير المأموريتان الدستوريتان المحددتان سلفا... للخروج عن حالة الصمت فكفى يا عزيز منك ما مضى وسلف ... فاترك الدستور عنك ، وليكن في علمك أن هذا البلد لن يستطيع أي طاغية أبدا مهما طال به الزمن أن يخلد فيه يتربع على كرسي الحكم , ولن يستطيع أن يورث حكمه لأحد ، لأن استبداده سيقضى عليه حتما , كما قضى الاستبداد على المفسد ولد الطايع .
الدستور يعلو ولا يعلى عليه .... يسمو ولا يسمى عليه . فهل تفهم ذلك يا عزيز ؟؟