يوسف بن تاشفين.. أمير الملثمين ومُنقذ الأندلس من السقوط

أحد, 2014-07-20 01:56

سقطت الدولة الأموية في الأندلس، أوائل القرن الحادي عشر، وخاصة بعد وفاة مؤسس الدولة العامرية، المنصور بن أبي عامر، ونجله عبد الملك، وظهر بعدهما ما عُرف بفترة حكم «ملوك الطوائف»، وكانت أسوأ الفترات التي مرت بالمسلمين في الأندلس.

 

ودب النزاع بين ملوك الطوائف، لرغبة كل منهم في التوسع على حساب الآخر، ما أدى إلى طمع الفرنجة في أراضي المسلمين، حتى ظهرت دولة المرابطين، التي أسسها الشيخ عبد الله بن ياسين، في شمال أفريقيا بقيادة يوسف بن تاشفين، الذي كان له الفضل في توحيد الأندلس مرة آخرى تحت راية «المرابطين» بعد هزيمة الفرنجة في معركة «الزلاقة».

 

نشأته

 

قال الدكتور علي الصلابي، المؤرخ الإسلامي الليبي، في كتابه «دولة المرابطين» إنه «أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم، ولد 400 هجريًا 1009ميلاديًا، وكانت قبيلته سيطرت بسيادتها وقيادتها على صنهاجة، واحتفظت بالرئاسة منذ أن جعلها الإمام عبد الله بن ياسين فيها بعد وفاة الأمير يحيى بن إبراهيم الجُدالي، فنما عزيزًا كريمًا في قومه، ويسمى بأسد المرابطين وأمير الملثمين».

 

توليه زعامة المرابطين

 

وأضاف «الصلابي»: «بعد وفاة الشيخ عبد الله بن ياسين يتولَّى الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين في سنة 1059، وقد جُمعت له الزعامة الدينية والسياسية، وكان من علماء المرابطين، وفي خلال سنتين من زعامته لهذه الجماعة الناشئة يكون قد ظهر في التاريخ ما يُعرف بدويلة المرابطين، وأرضها آنذاك شمال السنغال وجنوب موريتانيا، وهي بعدُ لا تكاد تُرى على خريطة العالم»

 

وأوضح «الصلابي» أنه «بعد سنتين من تولِّي الشيخ أبي بكر بن عمر اللمتوني زعامة المرابطين، يَسْمَع بخلاف قد نشب بين جدالة ولمتونة وأصبح فتنة، فتوجَّه أبو بكر بن عمر اللمتوني بقسم من المرابطين ليحلَّ الخلاف بين المتصارعين هناك، تاركًا زعامة المرابطين لابن عمِّه يوسف بن تاشفين، وبعد أن استطاع أبوبكر أن يحلَّ الخلاف ويطفئ نار الفتنة التي اشتعلت، إذا به يتوجه إلى السودان، وهي المناطق الجنوبية للمغرب العربي، ليدعو أهل هذه المناطق إلى الإسلام».

 

وأشار إلى أنه «لم تكن دولة المرابطين التي تركها الشيخ أبو بكر في يد ابن عمه يوسف بن تاشفين استقرت بعد؛ لذا أوصى أبو بكر خليفته على الدولة بقتال بني يفرن وزناتة ومغراوة، وهم القوى الثلاث الرئيسة التي تُناوئ المرابطين».

 

وتابع: «شقَّ ذلك الوضع كثيرًا على يوسف بن تاشفين، رحمه الله، فأخذ جيشه، الذي كان قد بلغ أربعين ألفًا، وانطلق إلى الشمال وحاربته كل القبائل الأخرى في المنطقة، حتى حاربته قبيلة زناتة السُّنِّيَّة، وبمرور الأيام بدأ الناس يَتَعَلَّمُون منه الإسلام، ويدخلون في جماعته المجاهدة».

 

وذكر «الصلابي» أنه «بعد رجوع الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني في سنة (468هـ=1076م) وبعد خمس عشرة سنة من الدعوة، في جنوب السنغال وأدغال إفريقيا، يرى يوسفَ بن تاشفين الذي كان قد تركه على شمال السنغال وجنوب موريتانيا فقط في سنة (453هـ=1061م) يراه أميرًا على السنغال بكاملها، وموريتانيا بكاملها، والمغرب بكاملها، والجزائر بكاملها، وتونس بكاملها، وعلى جيش يصل إلى مائة ألف فارسٍ غير الرجَّالة، يرفعون راية واحدة ويحملون اسم المرابطين».

 

وقال ابن أبي زرع الأندلسي، في كتابه «روض القرطاس»: «عندما رجع أبو بكر من الصحراء جمع أشياخ المرابطين من لمتونة وأعيان الدولة، والكُتَّاب والشهود، وأشهدهم على نفسه بالتخلي ليوسف عن الإمارة، وعلَّل الأمير أبو بكر هذا التنازل لابن عمه يوسف لدينه وفضله وشجاعته وحزمه ونجدته وعدله وورعه وسداد رأيه ويمن نقيبته، وأوصاه الوصية التالية قائلاً:(يا يوسف، إنِّي قد ولَّيتُك هذا الأمر وإنِّي مسئول عنه؛ فاتقِ الله في المسلمين, وأعتقني وأعتق نفسك من النار، ولا تُضيِّع من أمر رعيتك شيئًا؛ فإنَّك مسئول عنهم، والله تعالى يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك)».

 

«بن تاشفين» في الأندلس

 

وأشار «الصلابي» إلى أنه «بعد توحيد المغرب الأقصى بجميع نواحيه بعد عمل جادٍّ مستمرٍّ، وأصبحت الدولة المرابطية قُوَّة لا يُستهان بها تُشكل خطرًا على النصارى في الأندلس، وملجأ وحصنًا للمسلمين في الأندلس، حيث إن النصارى استفحل خطرهم في الأَنْدَلُس، حيث قامت للمسلمين دويلات في كل مدينة وصلت إلى ثلاث وعشرين دويلة تناحرت فيما بينها، وعُرف حكامها بـ(ملوك الطوائف)، وتلقَّبوا بألقاب الخلفاء كالمأمون والمعتمد والمستعين والمعتصم والمتوكل إلى غير ذلك من الألقاب، ولما كان الوضع في الأندلس على هذا السوء، من التفرق والتشرذم، أعمل ملك الصليبين فيها ألفونسو السادس سيفه وسنانه، حتى أصبح ملوك الطوائف يبعثون بالجزية إليه كل عام، فضج ملوك الطوائف من تجبره وغطرسته، وقتل المعتمد رسل ألفونسو التي جاءت لتحصيل الجزية، فأعد ذلك الصليبي العدة لإفناء المعتمد وباقي ملوك الطوائف».

 

وقال الدكتور سعدون عباس، في كتابه «دولة المرابطين في المغرب والأندلس»: «ألفونسو رسالات التحذير والتهديد للمعتمد، مما دفعه بعد تفكير طويل إلى إرسال رسالة مكتوبة إلى الأمير يوسف مؤرخة 479هـ, يستنجد بيوسف بن تاشفين، جاء فيها: (ونحن أهل هذه الأندلس ليس لأحد منا طاقة على نصرة جاره ولا أخيه، ولو شاءوا لفعلوا إلا أن الهواء والماء منعهم من ذلك، وقد ساءت الأحوال، وانقطعت الآمال، وأنت -أيَّدك الله- سيد حمير، ومليكها الأكبر، وأميرها وزعيمها، نزعت بهمتي إليك واستنصرت بالله ثم بك، واستغثت بحرمكم لتجوز بجهاد هذا العدو الكافر وتحيون شريعة الإسلام وتدينون على دين محمد، ولكم عند الله الثواب الكريم على حضرتكم السامية. السلام ورحمة الله وبركاته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، ووافق ابن تاشفين على طلب المعتمد وذهب إلى الأندلس».

 

وتابع «عباس»: «انزعج ألفونسو من مجيء المرابطين, شعر بعودة الروح المعنوية إلى أهالي الأندلس الذين كان يسومهم سوء العذاب، يُقتِّل رجالهم ويسبي نساءهم، ويأخذ منهم الجزية، ويحتقرهم ويزدريهم، ويتلاعب بمصيرهم, وينتظر الفرصة لاستئصالهم من الأندلس وإذا بالمرابطين يربكون مخططاته ويبددون أحلامه، وأرسل يوسف بن تاشفين إلى (ألفونسو) كتابًا يعرض عليه الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب، ومما جاء في كتاب الأمير: (بلغنا يا ألفونس أنَّك نحوت الاجتماع بنا, وتمنيَّت أن تكون لك فُلْكٌ تعبر البحر عليها إلينا، فقد جزناه إليك، وجمع الله بيننا وبينك، وترى عاقبة إدعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)، ولما قرأ ألفونسو الكتاب زاد غضبه وذهب عقله وقال: (أبمثل هذه المخاطبة يخاطبني وأنا وأبي نغرم الجزية لأهل ملته منذ ثمانين سنة؟)، وقال لرسول الأمير يوسف: (قُل للأمير: لا تتعب نفسك، أنا أصل إليك)».

 

موقعة الزلاقة

 

وتحدث «الصلابي» في كتابه، عن موقعة الزلاقة، قائلًا: «التقى الجيشان بمكان عرف بعد الموقعة باسم الزلاقة، لأن الخيول كانت تنزلق من كثرة دماء الصليبيين التي سالت على أرض المعركة، وفي محاولة ماكرة لخديعة المسلمين أرسل "ألفونسو السادس" يحدد يوم المعركة، فأرسل أن غدًا الجمعة، وهو عيد من أعياد المسلمين ونحن لا نقاتل في أعياد المسلمين، وأن السبت عيد اليهود وفي جيشنا كثير منهم، وأما الأحد فهو عيدنا، فلنؤجل القتال حتى الاثنين».

 

وتابع: «تسلَّم يوسف بن تاشفين الرسالة، وبوعي تام وبقيادة تعلم خبايا الحروب وفنون مقدماتها لم يُعلِم جيشه هذه الرسالة، إذ إنه يعلم أن هذا الرجل مخادع، وبعد ترتيب الجيش وصلاة فجر الجمعة الموافق (12 من شهر رجب 479هـ/ 23 من أكتوبر 1086م)، هجم ألفونسو بجيشه، ولم تكن مفاجأة لـ(بن تاشفين) أن يخالف (ألفونسو السادس) طبيعته وينقض عهده».

 

وأضاف: «إنما المفاجئة أصابت (ألفونسو السادس) الذي وجد الجيش الإسلامي على أتمِّ تعبئة وأفضل استعداد، وبخطة محكمة، كان يوسف بن تاشفين قد قسَّم الجيش ثلاث فرق: الفرقة الأولى وهي المقدمة بقيادة المعتمد وتضم خمسة عشر ألف مقاتل، والفرقة الثانية خلف الأولى وعلى رأسها بن تاشفين وتضم أحد عشر ألف مقاتل، ومن بعيد تنتظر الفرقة الثالثة وتضم أربعة آلاف مقاتل هم من أمهر الرماة والمحاربين،لم تكن خطته جديدة في حروب المسلمين، فقد كانت هي نفس الخطة التي استعملها خالد بن الوليد في موقعة الولجة في فتوح فارس».

 

وأردف: «وأصاب الصليبيين مقتلة عظيمة، وولَّى ألفونسو مطعونًا في إحدى ركبتيه طعنة أفقدته إحدى ساقيه في 500 فارس من ثمانين ألف فارس ومائتي ألف راجل، قادهم الله على المصارع والحتف العاجل، وتخلَّص إلى جبل هنالك، وأصبح يوم الزَّلاَّقَة عند المغاربة والأندلسيين مثل يوم القادسية واليرموك».

 

أمير المسلمين يوسف بن تاشفين

 

ولمَّا كبرت مملكة يوسف بن تاشفين واتسعت عمالته، اجتمع إليه أشياع قبيلته، وأعيان دولته، وقالوا له: «أنت خليفة الله في أرضه، وحقُّكَ أكبر من أن تدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين». فقال لهم: «حاشا لله أن نتسمَّى بهذا الاسم، إنما يتسمَّى به خلفاء بني العباس؛ لكونهم من تلك السلالة الكريمة، ولأنهم ملوك الحرمين مكة والمدينة، وأنا راجلهم والقائم بدعوتهم». فقالوا له: «لا بُدَّ من اسم تمتاز به». فأجاب إلى «أمير المسلمين وناصر الدين»، وخطب لهم بذلك في المنابر، وخوطب به من العُدْوَتَيْن (أي المغرب والأندلس).

 

ويقول الإمام السيوطي، في كتابه «تاريخ الخلفاء»: «وليكون ابن تاشفين أميرًا شرعيًّا أرسل إلى الخليفة العباسي يطلب منه توليته، وفي سنة تسع وسبعين أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سَبْتَة ومَرَّاكُش إلى المقتدي يطلب أن يُسَلْطِنَهُ، وأن يُقَلِّده ما بيده من البلاد، فبعث إليه الـخِلَعَ والأَعلام والتقليدَ، ولَقَّبه بأمير المسلمين؛ ففرح بذلك وسُرَّ به فقهاء المغرب».

 

وفاته

 

وقال «الصلابي»: «تُوُفِّيَ يوسف بن تاشفين في شهر المحرم عام (500هـ= 1107م) عن عمر يقارب المائة عام، وكان واحدًا من عظماء المسلمين المغاربة، الذين جدَّدُوا للأُمَّةِ أمر دينها ولم يأخذ حقَّه من الاهتمام التاريخي إلَّا قليلًا».

 

المصري اليوم