إن حرب الصحراء، مع كونها حربا عادلة ومشروعة تماما، لا يتحدث عنها أحد؛ ورغم أنها كلفتنا 2000 قتيل( 2500 حسب رواية البوليساريو)؛ أي جيشا كاملا، وآلافا من الجرحى والأرامل والأيتام؛ بالإضافة إلى مئات الأسرى؛وتمت بأمر من سلطة مدنية كاملة الشرعية، أسست وشيدت الجمهورية الأولى؛ تم التفريط فيها من قبل الحكام العسكريين المنبثقين عن الانقلاب على تلك السلطة بهدف تحويل هزيمتهم العسكرية إلى أنتصإر. سياسي. لقد تجاهلت "اللجنة العسكرية للخلاص الوطني" تلك الأرواح الزكية التي قدمت في سيبل الوطن الأم وهو ما يزال سليما، ضمن أول امتحان قتالي في تاريخه. تم، بسرعة، تناسي تلك التضحية الكبرى من قبل جيشنا في تنوعه الرائع؛ علما بأن هذه الدماء الزكية التي بذلها جنودنا (أوائل شهداء الوطن) بشجاعة وعزم لا يلينان دفاعا عن حوزتنا الترابية، أحيت جذور وحدتنا الوطنية الوليدة التي يعصف بها اليوم الإرث الإنساني.لقد أُجبر أسرانا على كتمان عمليات التنكيل التي ما يزال الأحياء منهم يحملون آثارها الجلية، باعتبار ذلك سرا من أسرار الدولة. وبذلك أُكره أبطالنا على التنازل والعفو عن جلاِّديهم، قبل العودة إلى الصفوف مكمّمي الأفواه، أو العودة إلى ذويهم مطأطئي الرؤوس؛ بجريمة طاعة أوامر قادتهم، طبقا للقانون والنظم، للدفاع عن بلدهم الذي يخوض حربا فرضتها الجزائر وكانت موريتانيا الحلقة الأضعف فيها. تأخر الإفراج عن أسرانا لأكثر من سنة، وذلك عائد فيما يبدو، لعدم تنفيذ اللجنة !العسكرية للبند السري من الاتفاق. ذلك أن هذا البند السري الذي لم تستطع اللجنة العسكرية المنهزمة الإيفاء به، رغم التزامها الصريح، يتمثل في تسليم تيرس الغربية، التي احتلها حلفاؤنا في القوات الملكية المغربية بالكامل وقد كانت تلك القوات الملكية منتشرة في كامل منطقة المواجهات تقريبا إلى غاية (أكجوجت 250 كيلومتر شمال العاصمة)، إذ كانت قواتنا المسلحة قليلة العدة وضعيفة التنظيم؛ تتمركز على خط المواجهة للدفاع عن سكتنا الحديدية الوحيدة؛ حيث تجد الكثير من الصعوبة في أداء تلك المهمة. هكذا دفع أسرى الحرب من جنودنا الأخيار ثمن التردد وعدم الكفاءة، وفوق ذلك، غياب الشجاعة لدى قادتهم المنقلبين إلى سياسيين؛ المنشغلين ـ أساسا ـ بطي صفحة "عمليات التوحيد" المحرجة، نهائيا، أكثر من انشغالهم بالوفاء بقسم شرفهم كضباط. أما أسرى البوليساريو لدينا، الذين عوملوا أحسن معاملة طيلة وجودهم على أرضنا، فتم الإفراج عنهم جميعا دون تأخير. في نواكشوط تم ترحيل عائلات شهدائنا وأسرانا، قسرا، مطلع الثمانينات من الحيز الأرضي الذي كانت تقيم عليه مؤقتا في ("كبّة الصنادره" حي سوكوجيم PS وجزء من حي بغداد حالي)ا؛ ثم ألقي بها في الأحياء الشعبية غير المستصلحة ولا المشرّعة، دون مأوى، دون ماء، دون كهرباء، ودون أي اعتبار. وتم توزيع المنطقة التي كانوا يقيمون فيها على غرباء من طرف نفس السلطة العسكرية التي كان قادتها هم من أرسلوا أرباب تلك العائلات إلى الموت على ساحة المعركة. ومنذ مجيء اللجنة العسكرية، يوم الاثنين 10 يوليو 1978 إلى يومنا هذا، لم تمنح أي عناية لشهدائنا. ولا حتى إقامة صلاة الغائب ترحما على أرواحهم الزكية. وبذلك لم يكن لتضحيتهم العظيمة في سبيل الوطن أي جدوى. ولا ريب أن عدم تقدير وتناسي تضحية شهدائنا الذين سقطوا في حرب الصحراء التي اعتبرتها اللجنة العسكرية، ظلما، كعملية لحفظ النظام؛ وكذا المصير الذي ترك فيه قدماء محاربينا وضحايا الحرب من قواتنا المسلحة وذويهم، كلها عوامل أفضت إلى التبعات المأساوية التي عرفناها: محاولة 16 مارس 1981 الانقلابية؛ محاولة انقلاب 8 يونيو 2003، لمغيطي 2005؛ الغلاوية 2007، تورين 2008 وحاسي سيدي 2010 وقادو وباسكن 2011 ؛ إضافة إلى احتجاز الرهائن في السجن المد نى ,2015 للتين حولتهما السلطة العسكرية إلى انتصارات وهمية. إن جنودنا لم يعودوا مستعدين للدفاع عن هذا البلد الذي لا يعترف بالجميل ولا يقدر تضحيات أبنائه حق قدرها. إن الإقليم المتنازل عنه، موضوع تلك التضحية الجسيمة، تم تسليمه ـ من الناحية العملية ـ للمغرب من قبل النظام الاستثنائي سنة 1980 حين أعلن من سلبوا الشعب إرادته، دون شروط، أن "موريتانيا ليست لها مطالب ترابية في الصحراء الغربية"، وانسحبوا، بشكل مخجل تاركين تيرسنا الغربية للقوات الملكية المغربية؛ مع التشبث بحيز لكويرة. و تم التنازل عنه من الناحية "القانونية" لجبهة البوليساريو يوم 27 ديسمبر 1983، عندما اعترف الحكام العسكريون، دون جدوى، بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. لقد كان بالإمكان الاعتراف بجبهة البوليساريو كممثل شرعي لجزء من الشعب الصحراوي يتواجد في تندوف، في انتظار الخيار الحاسم للجزئين الآخرين في وادي الذهب والساقية الحمراء؛ قبل التنازل عن هذا الإقليم. كان على السلطة العسكرية استشارة الشعب الموريتاني حول مصير تيرس الغربية، ووضع هذا الإقليم تحت إشراف الأمم المتحدة، والاستمرار في المطالبة به، سلميا، وإن من باب احترام ذكرى شهدائنا؛ ريثما يتم الاستفتاء المنتظر للشعب الصحراوي. قبل ستة وعشرين عاما، أي في يوم 5 أغسطس 1979، هرولت اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، مرتبكة بفعل الهجوم على تشله يوم 12 يوليو 1979 من قبل الجيش الجزائري؛ إلى التوقيع ـ بعد ثلاثة أسابيع فقط ـ على اتفاق السلام الذي لم يكن، في الواقع، سوى استسلام حقيقي، شكلا ومضمونا؛ فقادة قواتنا المسلحة، المنهزمون أمام الجيش الجزائري المدعوم من النظام الليبي عن طريق مرتزقة البوليساريو ، تم إذلالهم من طرف حكام الجزائر ؛ حيث حرمتهم تماما، من أي مخرج مشرف من هذا النزاع البائس، مع أن ذلك المخرج كان يخدم مصلحة البوليساريو جيدا. كان هذا المخرج المشرف يتمثل في ترك إدارة منطقة تيرس الغربية للحكومة الموريتانية حتى يتم إجراء الاستفتاء. لكن الجزائر فرضت الخضوع التام وغير المشروط من قبل حكام نواكشوط الجدد. وتحت وقع الارتباك، متناسين الشرف؛ استسلم ممثلوا اللجنة العسكرية للخلاص الوطني؛ مسلّْمين بلدنا لدكتاتورية عسكرية لا متناهية. ولعل الدليل الأكبر على أن الأمر يتعلق، فعلا، باستسلام هو أن الوثيقة وقّعت في الجزائر، أي في عاصمة العدو إن "اتفاق السلام" المذكور، وذلك الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، لاغيان وبلا أثر لأنهما من فعل سلطة انهزامية، سالبة للإرادة الشعبية، غير شرعية وبلا شعبية. في الواقع لا يمكن إيجاد أي حل عادل، دائم ومقبول لدى الجميع بدون موريتانيا. ليس كطرف مراقب، بل كفاعل رئيسي، متجرد وصاحب حق، من منظور القانون الدولي، على نصف هذا الإقليم. ويكفي نفض الغبار عن اتفاقية مدريد الثلاثية الموقعة من طرف سلطة شرعية، ومطالبة المملكة المغربية بإعادة إدارة وادي الذهب للحكومة الموريتانية، ليكون ـ عند الاقتضاء ـ إقليما لجمهورية صحراوية مستقبلية، لصالح المصممين على الاستقلال، الرافضين لأي اندماج أو حكم ذاتي؛ في الأرا ض المغربية أو الموريتانية، في إطار حل دبلوماسي توافقي، يمنح الأفضلية لمغرب الشعوب على مغرب الدول.