تعتبرُ التعددية السياسية بموريتانيا سابقة علي ميلاد الجمهورية الحالية قبل أن تعرف "توقفات قَسْرِيةٍ" منها ما كان "مَدَنِيًا" عبر تتويج حزب الشعب في السنوات الأولي التالية للاستقلال الوطني حزبًا واحدًا وحيدًا في المشهد السياسي لا مُنافس له و لا نِدً و لا شريك... و منها ما كان في شكل
عسكري أكثر خشونة و صَلَفًا من خلال " القوس العسكري الأحادي الطويل" الذي أَرْخَي سُدُولَهُ من سنة 1978 إلي 1991.
و منذُ سنة 1991 و موريتانيا تعيش تعددية سياسية "تَنْتَعِشُ" و" تَنْكَمِشُ" حسب درجة حدة تجاذبات "البُورْصَةِ السياسية الوطنية" و تتميزُ تلك التعددية بمستوي نظري رفيع و عملي مقبول من الفصل بين السلطات التقليدية الثلاثة :السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية و السلطة القضائية بالإضافة إلي قَدْرٍ معلوم من المكانة للسلطة الرابعة: سلطة الصحافة و شيئ من التأثير لا زال جد محدودٍ للسلطة الخامسة: سلطة الرأي العام. و تتميز موريتانيا بوجود "سلطة سادسة" قد يُخيل إلي البعض -بادي الرأي- أنها سلطة المجتمع المدني و لكن هيهات فالمجتمع المدني عندنا لا زال محدود التأثير رغم طهارة و َنقَاءِ و نِضَالِيةِ ثُلةٍ غير قليلة من المنتسبين له و ذلك بفعل" قوة التمييع و التهوين و التبخيس" التي عاني منها خلال مراحل التأسيس و بدايات العهد الديمقراطي الذي شهد "تَفْوِيجَ" المئات من الفاشلين و المنحرفين و" الإخباريين"و "المُحِبينَ العاجلةَ"،... من أجل تأسيس منظمات مجتمع مدني أغلبُها الأعَمُ يحمل أسماء و " أَسْفَارًا" بلا مسمياتٍ وذلك ابتغاء "إِغْرَاقِ" و اختراق و إفشال بعض روابط المجتمع المدني "غير الصديقة" للنظام ساعتها.
و السلطة السادسة في موريتانيا سلطةٌ قديمة قِدَمَ الدولة الموريتانية الحديثة واكبت نشأتها الأولي و استطاعت التكيف مع كل التحولات الاجتماعية و المؤسسية و هي "سلطة المجتمع غير المُصَنفِ" و هم عبارة عن مجموعة من الأشخاص و مجموعات الضغط الصغيرة سريعة الحركة التي لا يجمعها ناظم مدني و لا رابط أهلي أو عصبي، مَنَابِتُهم و أعراقُهم و ألسنتُهم و أفئدتُهم و مساراتُهم وطموحاتُهم و طِباعُهم و "أبراجُهم " شتي عادة ما يكونون من أبعد الناس و من أبغض الناس لدي الدوائر الفعلية للنفوذ يَسْتَوْحُونَ أفكارهم من رواسب و إِرْثِ ممارسات البوليس السياسي في الأنظمة الاستثنائية مِهْنَتُهم " إنتاج و توزيعُ المعلومات الرافِعَةِ و الخافِضَةِ" و "بيع وَهْمِ النفوذ" لضِعَافِ العقول و مرضي القلوب و مَهْزُوزِي الضمائر.
إن يَسْمَعْ من في قلبه مرضٌ زُخْرُفَ حديثِهم حَسِبْهُم فاعلين من درجة الامتياز و "صناع رأي مسموع" من الدرجة الأولي و قادرين علي كل شيئ ابتداء من الإضطلاع علي "اتجاهات الرياح" الاجتماعية و الإدارية و المالية و السياسية مُرُورا ببناء وتحسين و تدمير صورة ذوي الطموحات و المؤهلات القيادية في المجتمع و الإدارة و تسهيل الأعمال المُدِرةِ للأرباح الطائلة وصولا إلي القدرة علي رَصْدِ أحوال صُعود و هُبوط "بُورْصَةِ كبار الموظفين" عالية الهشاشة شديدة الاضطراب قليلة الاستقرار ...
ومن الصعب أن تجد قواسمَ أو خصائصَ جامعة للمنتسبين "للسلطة السادسة" أكثرُهم عاطلون عن الشغل ليس لهم عملٌ معلومٌ و منهم شباب متخصص في مجال جديدٍ شديدِ الرواج ببعض الدول الأجنبية كثيرِ و سريعِ الأرباح يعرف" بأسماء متغيرة" و يمكن أن تُطلق عليه تسمية " الرُقْيَا العَصْرِية"ِ و منهم أقوامٌ مُختصون في استدراج الضحايا لشبكات "الإغراق بالديون مُفْرِطَةِ الرٍبَوِيًةِ" و جماعات أخري يُشَاعُ عنهم الانتساب إلي شبكات المعلومات السرية و آخرون يُحِبُونَ أن تَشِيعَ عنهم فاحشةُ الانتماء لشبكات استخبارات خارجية...
و يصطادُ صقورُ السلطة السادسة "زبناءَهم" و ضحاياهم من الفئات الأكثر ثراء و قابلية "للاختراق المعنوي" كالأثرياء القدامي و الجدد محدودي الزاد المعرفي المتطلعين إلي الحصول علي بعض الامتيازات التي يجهلون شرعيتها و قانونيتها و قابلية تحقيقها و كبار الأطر الذين أَذْهَبَ عُقُولَهُمْ طُولُ فترات الإقصاء و "عبورُ الصحراء" و المُسْتَعْجِلِينَ ذِكْرَ أسمائهم في بند الإجراءات الخصوصية من بيانات مجالس الوزراء وكبار" قدامي المفسدين" الذين يملكون العديد من الأصول الثابتة الثمينة و هم في أَمَسِ الحاجة إلي بعض الإمدادات من السيولة النقدية وتأمين مستوي من العلاقة بالسلطة التي تعودوا دائما علي أن لا يكونوا منها ببعيد و كذا رجال الأعمال الأجانب الراغبين في الاستثمار بالبلد... و تاريخُ الدولة الموريتانية حافل منذ الاستقلال حتي الآن بالعديد من روايات و نوادر و مُلَحِ و غرائب سقوط العديد من رموز المجتمع و مشاهير السياسة و الإدارة و المال و الأعمال المواطنين و الأجانب في شراك شبكات السلطة السادسة كما يَزْخَرُ بنجاحات قوات الأمن في القبض علي العديد من " أدعياء النفوذ المَغْشُوشِ" و إفشاء ممارساتهم و التطبيق الصارم للمساطر القانونية في حقهم.
و من المُلاحظ أن السلطة السادسة "تَخْبُو" في المجتمعات التي تزدهر فيها الديمقراطية و الشفافية و تغليب الأخلاق علي الحياة العامة و "تَرْبُو" مع كسادها لذلك فإن السلطة السادسة في بلادنا هذه الأيام تبدو في تراجع و فُتُورٍ وانْحِسَارٍ و مع ذلك فإن واجب النخبة المناضلة أبدا من أجل وقاية وطنها من المخاطر يُحَتِمُ إثارةَ النقاش العام حول تاريخ السلطة السادسة و مضارها و سلبياتها و اقتراح "تغليظ" القوانين الرادعة لدرء بقايا و فُلُولِ و رواسبِ ممارساتها المشينة و البدائيةِ و " المُنْتَهِكَةِ لشرف الوطن و حقوق المواطن".