أحقا رحلت يا عبد الرزاق /حبيب الله ولد أحمد

اثنين, 2015-11-09 16:04

كيف وجدت الوقت للملمة كل أشيائك الجميلةقل لي أحقا وضعت حبرك الجميل وحرفك الصقيل وشعرك الوهاج فى حقيبتك ولوحت دون أن تحدق فى دموع المودعينأين وضعت العراق نخيلا وضفافا وتربة ومجدا وصدام حسينهل فكرت أننا لا نطيق فراقكوقل لى بالله عليك أتطيق فراق بغداد الجريحة أترحل عن حبيبتك وتتركها للمجهول و أنت الذي زرعتها في قلبك نسمة حب وعلى لسانك شهقة شعر وبين جوانحك رجفة لقاء ورهبة توله أبديةأعرف أنه لم يبق لديك شيء هنا لتعشقه فصدام رحل والعرب نحروا وبغداد تغيرت والعراق أصبح باطن أرضه أرحم بأهله من ظاهرهالا طيور لتحلق فى مساءاتك الندية لا صفاء بدجلة ولا شروق على الفراتاعرف أن بك غصة وحرقة وأنت ترانا في وحل الهزيمة وقد تفرق الأعراب واسلموا ظهورهم للأغرابحرفك الشجاع ليس هذا زمنه رفضك الكبير ليست هذه أرضه طينتك المعجونة حبا للعراق الحق وقائده الحق وتاريخه الحق وشعبه الحق ليس هذا أفقهاأنت نخلة ونحن بلا نخيل أنت حرف ونحن نقاط حائرة أنت وفاء ونحن غثاء كغثاء السيلما عاد يطيب لك المقام هنا أعرف ذلك فلا صرخة فارس ولا ومضة سيف ولا غبار معركة ولا لواء مجدمثلك لا يعيش هنا أنت ثائر صادق وفي شجاع تنحت الشعر سيوفا وصهيلا ورهبة انتصار تكور الحرف نهرا سلسبيلا تمنح ضفتاه الظلال والغلال لكل العابرين وللطيور حرية الغناء تحليقالا مكان لك وقد رحل الذين يعاش فى كنفهمرجل مثلك لا مكان له بعد رحيل الرجال أنت لا تجلس مع النساء وأشباه الرجال أنت منذ نعومة أشعارك كنت رجل حق وعروبة وكبرياء ولا يليق بك إلا الرحيل إلى أفق فيه من ترتاح لهم من يمنحونك ألقا بكبريائهم من يسمعونك صرخة حق ومن ترى فى عيونهم بريق خالد والقعقاع وعمرو والمثنى وشرحبيل من ترى في سحناتهم ملامح خيل تعرفها وملامس سيوف تعرفهالأنك لا تطيق الذل رحلت عن أرض البوار ولأنك لا تعيش في الحفر الواطئة مع الحشرات الكسيحة هزيمة وانسحاقا ورجعية فقد ذهبت باتجاه الشمس تحث الخطا في أثر أغلى الرجال وأنبل الرجال وأصدق الرجال أولئك الذين افتدوا كبرياء العرب وتاريخ العرب وشهامة العرب بأرواحهم قبل كلماتهم أليس جميلا يا عبد الرزاق أنك تطيبت وتزينت وأخذت حقيبتك وذهبت إلى الله إلى ملكوت الطمأنينة لتعانق أرواح آخر الرجال العرب الذين كانوا مثلك لا يقبلون حياة الذل والمهانة والهزيمةأليس رائعا أن تضرب موعدا مع رجل أحببته وفاء وصدقا ورجولة وكنت وفيا له حيا وميتاأليست قمة الوفاء أن تذهب فى إثر صدام حسين المجيد وقد اختط لك ولنا دربا صقيلا مضيئا لا اعوجاج فيه اختطه بدمه الفوار عروبة وبروحه الصاخبة كبرياءلم تودعنا يا سيدى فأنت تعرف أنك هنا بيننا ما ذكر رجال العرب وأيام العرب وشعر العرب وعزة العرب وعراق العربنحن لا نبكيك وكيف نبكى رجلا كان قيما تمشى على قدميهاأنت ياسيدى كتبت بالديناميت ورصعت حروفك باظافر حنظلة و ضمختها بماء الرافدين ونمقتها بنخيل العراق ورجال العراق وشحنتها جهادا وجلادا ووفاء للذين يستحقون الوفاءأنت كبير كالرجال الذين عشت معهم وما عادت دنيا الذل والهوان والهزيمة تسع قاماتهم الفارعة عزا وكرامة وإباء وانتصارا ففضلوا الرحيل كبرياء وعزة نفسنم قرير العين يا آخر الشعراء بعيدا عن بغداد التى تيتمت برحيلك وأنت الذى منحتها وقائدها أجمل القصائد وأنقى الحروف وأصدق مشاعر الحب والوفاءنم يا سيدى واستمع بهدوء للذي يصيح بك أبدا وقد غفوت تحت التربة الطاهرة الندية وهي تحتضنك حنانا وحبا"إن العراق معافى أيها الجمل"