الحرب الفاضحة / الأستاذ محمدن بن الرباني

أربعاء, 2014-07-30 16:17

أطلق بعض السلف رحمة الله عليهم اسم الفاضحة على سورة التوبة وهي سورة نزلت بالسيف فلم تستأنف بالبسملة لأنها أمان والسورة سورة حرب، وإنما سميت الفاضحة لفضحها المنافقين وتتبعها صفاتهم صفة صفة كلما أنهت تعيين طائفة بصفاتهم عمدت إلى طائفة أخرى بقولها ومنهم...،

ومنهم...، ومنهم.....

ولن يجد المرء لحرب العصف المأكول التي تدفع بها غزة اليوم عدوان الكيان الصهيوني اسما أدق ولا أعمق من اسم الفاضحة لتتماهى هذه الحرب مع تلك السورة اسما ووسما فهي معركة حربية بامتياز ونرجو أن يتوب الله على مجاهديها ومن نبس في نصرتهم ببنت شفة وهي فاضحة لطوائف شتى من الناس.

1- فأول المفضوحين بحرب العصف المأكول المقدسة هو الكيان الصهيوني عسكريا واقتصاديا ووجوديا:

- فعلى المستوى العسكري حولت الحرب الكيان الصهيوني من مالك الجيش الذي لا يقهر إلى مالك أجبن جيش وأضعفه عقيدة قتالية، فأضحى المجاهدون يتبخترون تبختر أبي دجانة بسيف النبي صلى الله عليه وسلم على أنغام آهات وعويل الجنود في مباغتاتهم في عمليات الإصعاد من الأرض التي اعتاض بها المجاهدون عن الإنزال من الجو، وهي عمليات نوعية بكل المقاييس، وهل الشريط الذي بث بعد خطاب القائد العام لكتائب القسام لعملية اقتحام  البرج العسكري في ماناحل عوز إلا أكبر دليل على هشاشة هذا الجيش وانعدام عقيدته القتالية وتحلي أفراد المقاومة بمستوى من الشجاعة والمهارة لا وجود له إلا في عالم الخدع السينمائية.

ولم تستطع إسرائيل رغم التعتيم الإعلامي الصارم إلا أن تعترف بأسر شاؤول آرون بعد طول تلكؤ، كما اعترفت بقتل أكثر من خمسين عسكريا من بينهم خيرة الضباط والقادة ومئات الجرحى أما المقاومة فتدعي مصدقة قتل أكثر من 100 عسكري صهيوني.

وقد أظهرت الحرب هشاشة القبة  الحديدية التي لم تعترض أكثر من 15% من مجموع صواريخ المقاومة، فتناقلت وسائل الإعلام الصهاينة يزفون زف الظليم قبل الظلام إلى الملاجئ آناء الليل وأطراف النهار في عموم إسرائيل.

ولم تستطع إسرائيل أن تحقق هدفا واحد من الأهداف المعلنة فلا قضاء على الصواريخ ولا الأنفاق ولا وصول إلى قادة حماس ولا احتلال لغزة وإنما حصد الاحتلال أكثر من 1200 قتيل مدني بينهم حوالي 300 طفل وأكثر من 7000 جريح. وهذه النسبة الخيالية من الضحايا المدنيين تدل على العشوائية والارتباك والاعتماد على مبدأ النكاية والانتقام دون ضابط، من أجل الضغط على المقاومة، لكن الواضح أن الشعب الفلسطيني قرر ألا يكون أول المتألمين في عملية عض الأصابع رغم قسوة الألم وهو يريد لهذه الحرب أن تكون بداية حياته الكريمة الطبيعية، ومنطلق العد التنازلي للكيان المسمى إسرائيل وفي سبيل ذلك تهون كل التضحيات.

أما قادة إسرائيل فيشعرون نفس الشعور لذلك أصبحوا يتحدثون بشيء من الجراءة عن شراسة الخصم وضرورة الصبر وصعوبة الوضع وضرورة التضحيات غير أن صمود القيادتين بقدر صمود الشعبين ولا مجال للمقارنة مما يعني حتمية انتصار المقاومة بإذن الله تعالى، فاليهودي الذي هو أحرص الناس على حياة لن يصابر وهو يذكر مراتع الصبا أو حكايا الجدات عن نيويورك أو باريس أو لندن أو غيرها من بلاده الأصلية التي ما زال يحمل نسيتها وهكذا يهرب في مثل هذه الظروف الآلاف من بيوتهم لغزة معلقين عليها "للبيع".

- وعلى المستوى الاقتصادي تقدر خسائر إسرائيل بمليارات الدولار الأمريكي، وهو مبلغ رغم ضخامته لا يمثل رقما مهما مقارنة بالناتج القومي للكيان الغاصب، لكن استمرار العمليات النوعية للمقاومة ووصول صواريخها إلى أغلب أرض فلسطين المحتلة وتأثر حركة الطيران وعدم قدرة الملايين على الابتعاد عن الملاجئ، وتزايد دعوات المقاطعة إضافة إلى الكلفة الطبيعية لمعدات الحرب، كلها عوامل تجعل الخسارة الاقتصادية في طريقها إلى التفاقم مع استمرار الحرب مما قد تصل معه إلى حد الأزمة بالفعل.

- وعلى المستوى الوجودي أظهرت الحرب أن دولة قامت على احتلال أرض سكانها مرتبطون بها أعمق الارتباط ولم يكن لتلك الدولة من منطق إلا منطق القوة ستنهار بانهيار المنطق الذي قامت عليه وها هو هذا المنطق ينكسر اليوم ويتهافت أمام مقاومة في شريط لا يبلغ 2% من عموم الأراضي الفلسطينية  رغم حصار تجاوز 8 سنوات ما يعني أن أي مجهود جماعي جاد من أعداء هذه الدولة في المنطقة كفيل بإزالتها من المنطقة فضلا عن هزيمتها وتقزيمها.

2- ثاني المفضوحين هم حكام الدول العربية والإسلامية وكان السيسي إمام المفضوحين الذين بدت فضيحتهم هذه المرة لا تتعلق بالعجز والخوف والتخاذل بل تجلت تآمرا مكشوفا مهما حاولت اللغات الدبلوماسية من جميع الأطراف تهذيبه فبدا السيسي وحزبه العربي يدافع عن الكياني الصهيوني دفاع الأصيل لا الوكيل، وأضحى الكيان الصهيوني سعيدا لأنه مكفى بالسيسي وحزبه فلم يجد حرجا سياسيا ولا دبلوماسيا في رفض مبادرة أهم حلفائه: الولايات المتحدة الأمريكية لأنها كانت أرحم بالفلسطينيين إنسانيا من مبادرة حزب السيسي.

أما من توقف نضالهم عند حفظ أرقام قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة من صناع أوسلو فكانوا من المفضوحين في أكثر من موقف: يوم صرح محمود عباس باستغرابه رفض حماس لمبادرة السيسي مدعيا أنه هو من أغراه بها، ويوم تراجع معلنا تأييد الفصائل في مطالبها ثم لم يحرك ساكنا في سبيل ذلك حتى المصادقة على اتفاقية روما التي تسمح بمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم ليظل بذلك مفضوحا في الحرب الفاضحة.

أما بشار الأسد الذي كان يمتاز عن القادة العرب في مثل هذه الظروف بجميل الأقوال الذي لا يدعمه كبير الأفعال، فإنه اليوم يجد من اللحم والدم السوري ما يبرز فيه أسديته سترا على أرنبيته في وجه محتل الجولان.

ولم يجد الرئيس الذي فاخر يوما بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني حرجا في أن يجيب في ظروف الحرب الفاضحة بلغة دبلوماسية حريرية ناعمة على سؤال حول احتمال قبول الكيان عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي ولولا حتمية الفضيحة لأمكن للرئيس عدم الإجابة على السؤال أو المراوغة فيه أو استخدام لغة غامضة كما هو شأن السياسيين في الأمور التي لا يريدون بيان موقف واضح منها لكنها الحرب الفاضحة.

3- ثالث المفضوحين حزب الله اللبناني الذي تغنينا به في حرب لبنان وطالما قيل إن نطق نصر الله أصاخت الدنيا فأبى الله إلا أن يفضحه بفاضحة العصف المأكول فصمت دهرا ثم لم يصدر للعدو نهيا ولا لجنوده أمرا لأنه ألجم بدماء السوريين الذين أصبح قتالهم أولوية جهادية في عقيدته الطائفية، أما الكيان الصهيوني فقد صارت عداوته معه على نهج العداء الأمريكي الإيراني: الصفق السياسي سجال، والهجوم بالدبلوماسية واللسان، لا بالقنابل والنيران.

4- رابع المفضوحين في حرب العصف المأكول الحركات الموسومة ظلما بالجهاد كداعش ومن على نهجها، فبدوا غير معنيين إلا بتهجير المسيحيين وحرق السجائر وهدم المراقد والخفاض الإجباري إلى غير ذلك مما تتعمد فيه الإساءة إلى الإسلام عن وعي خبيث أو غي كثيث. رحم الله أسامة بن لادن فقد كانت فلسطين محورا مكينا في خطبه واهتمامه وهو ما لا يمكن أن ينكره إلا مكابر، ومن ينسى قسمه الشهير: "بالله الذي لا إله إلا هو لن تنعم أمريكا بالسلام حتى ينعم به أهلونا في فلسطين" أما هؤلاء فلا يرون أنفسهم معنيين بما يجري في فلسطين رغم أنهم يدعون الخلافة الإسلامية، إنهم نبتة غريبة في الإسلام يظلم الخوارج كثيرا من ينسبهم إليهم وكفى بذلك ذاما.

5- خامس المفضوحين في حرب العصف المأكول هي تلك الثلة المسماة نخبة بغض النظر عن يساريتهم من يمينيتهم، وجل هؤلاء كان ممن انكشفت في الانقلاب السيسي، لكنهم اليوم تعروا بالكامل فأبصرهم أعمى البصر لا البصيرة وهم يلعقون البيادة العسكرية ويمجدون الخنوع للاستبداد والركوع للعدو والتخلي عن كل القيم، فعجت صفحات التواصل الاجتماعي بالتدوينات المتشفية بغزة ومقاومتها، وكتبت مقالات في تحميل المقاومة مسؤولية الدم الفلسطيني والمتاجرة به، ولم يقف الأمر عند التغطية الإعلامية المشبوهة في قنوات خليجية كالعربية واسكاي انيوز ولا عند مواقف لأمثال توفيق عكاشة وعزة سامي من إعلاميي السيسي ولا عند مقالات كتاب أمثال عبد العزيز الهزاني كاتبة مقال "قميص غزة" المنشور بالشرق الأوسط أو سليمان الدوسري كاتب مقال "مأساة في غزة" من العربية السعودية ممن لا يتورعون عن اتهام حماس بالمتاجرة بدماء الشعب الفلسطيني صراحة، بل تجاوز ذلك إلى قامات كبيرة منها قامة وطنية نحترم لها مكانتها الفلسفية فكان مقال "مأزق الحروب العادلة" مقاربة فلسفية لنزع القداسة عن حرب المقاومة الفلسطينية خلص فيه كاتبه إلى ربط مريب بين النزاعات الداخلية في البلاد الإسلامية والقضية الفلسطينية قائلا: "وحاصل الأمر، أن مواجهة الاستبداد السياسي، وقمع الحكم في الدول التي بدأت تتفكك وتنهار (ما هو شأن العراق وسوريا) لن يكون فعالاً ومجدياً سياسياً إلا بمنطق العمل النضالي السلمي، كما أن حروب المقاومة التحررية لن تستفيد شيئاً من قاموس الحرب الدينية، الذي يسيطر بقوة على جانب واسع من الشارع الإسرائيلي بما فيه المجموعات الحاكمة، فلا يمكن أن نستميل الرأي العام العالمي، ونضمن حقوقنا الشرعية، إلا بلغة القانون والمرجعية التشريعية الكونية التي تكفل حق المقاومة المشروعة العادلة" وبذلك فهو يقرر بلغة تناسب مكانته الفكرية خطأ ما تقوم به المقاومة وتجنبها الطريقة المثلى التي هي حفظ أرقام قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة على منهج محمود عباس لنستميل الرأي العام العالمي لأن ما سوى ذلك قد يؤدي إلى "نمط من الحروب الدينية والطائفية، التي تغطي على حقيقة الأوضاع السياسية الفعلية، التي هي احتلال استيطاني عنصري، وأنظمة قمع تستخدم الأدوات الطائفية ذريعة لإحكام قبضتها وتمزيق شعوبها وبلدانها" حسب الفيلسوف الكبير..

وليس بعيدا من موقف تلك النخبة الصمت المدهش لمجلس حكماء المسلمين وكأن الكلام في القضية ليس من الحكمة ولا من شؤون المسلمين.

6- سادس المفضوحين هم أولئك المنهزمون المشككون في فاعلية الإنسان العربي المسلم المراهنون على أن الضعف والتخلف والهوان صار ضربة لازب على هذه الأمة فكشفت حرب العصف المأكول أن الإنسان العربي المسلم يصنع في ظروف الشدة والضنك قريبا مما يصنع الإنسان الآري بوسائل خيالية التطور في أوفر الظروف رخاء.

لقد صنع القساميون أنماطا عديدة من الصواريخ المحلية والتي من أهمها:

- صاروخ الجعبري (J80)  وهو صاروخ محلي الصنع يصل إلى مدى 80 كم يصل تل الربيع (تل أبيب) وسط الكيان،ويحمل اسم االقائد أحمد الجعبري نائب قائد كتائب القسام والذي اغتالته إسرائيل في نوفمبر 2012..

- صاروخ المقادمة (M75)  وهو صاروخ فلسطيني الصنع يبلغ مداه 75 كم يصل تل الربيع والقدس يحمل اسم القائد الحمساوي إبراهيم المقادمة ويعرف بإسم "الصاروخ اللغز"، وفاجأ الجيش الإسرائيلي.

- صاروخ عبد العزيز الرنتيسي (R160) يحمل اسم الشهيد الرنتيسي ويصل مداه 160 كم ليصل أكثر المناطق بعدا من غزة كحيفا والخضيرة.

- كما صنعوا حسب بيان لهم وهم الذين لم يجرب عليهم الكذب بعكس الكيان الغاصب طائرةA1A  ذات المهام الاستطلاعية. وطائرة A1B  ذات المهام الهجومية-الإلقائية وطائرة A1C ذات المهام الهجومية-الانتحارية.

كل ذلك وهم في حصار منذ أكثر من 8 سنين فكيف بالأمر لو كانوا في ظروف طبيعية ويتوفرون على الوسائل والمعدات، فالمشكلة العربية الإسلامية في القيادة لا في الفرد فحين تكون القيادة إفرازا طبيعيا للمجتمع يحدث ما يشبه الطفرة .

إنما يحدث في غزة من نصر لا بد أن يعطي دفعا جديدا للربيع العربي لأن الشعوب ستدرك بعمق أنما يمنعها من الرقي بالأمة إلى الوضع الحضاري المناسب لها إنما هو القيادات الفاشلة وانتشار العملاء وهو ما يجب التخلص منه سلميا بأي ثمن فمنذ سيطرة حماس على قطاع غزة استطاعت المقاومة أن تتحول إلى هذه القوة التي يعترف بها العدو قبل الصديق فالرئيس الأمريكي أوباما يصرخ عاليا في وجه نتتنياهو لا بد من التعامل مع المبادرة القطرية التركية لأن إسرائيل ليست في وضع يمكنها من اختيار الوسطاء.

ليت شاعر فلسطين العظيم محمود درويش كان حيا ليعلم أنه ما كان يهذي يوم قال :

سقط القناع عن القناع..

قد أخسر الدنيا.. نعم

لكني أقول الآن...... لا..

إلى آخر الطلقات..... لا

إلى ماتبقى من هواء الأرض .....لا

ماتبقى من حطام الروح .......لا

بــــــــيـــــــــــــروت ..........لا

بــــــــيـــــــــــــروت ..........لا

حاصر حصارك لا مفر ... اضرب عدوك لا مفر

حاصر حصارك لا مفر ... اضرب عدوك لا مفر

سقطت ذراعك فالتقطها ...وسقطت قربك فالتقطني

واضرب عدوك بي

فأنت الآن..حرٌّ.. وحرٌّ.. وحرٌّ

حـــــــــــــــــــــــــرٌّ

حاصر حصارك لا مفر ... اضرب عدوك لا مفر

حاصر حصارك لا مفر ... اضرب عدوك لا مفر

سقطت ذراعك فالتقطها ...وسقطت قربك فالتقطني

قتلاك أو جرحاك

قتلاك أو جرحاك...... فيك ذخيرة

فاضرب بها

اضرب بها

اضرب بها

عدوك.

فأنت الآن..

حرٌّ.. وحرٌّ.. وحرٌّ

حاصر حصارك لا مفر ... اضرب عدوك لا مفر

حاصر حصارك لا مفر ... اضرب عدوك لا مفر

سقطت ذراعك فالتقطها ...وسقطت قربك فالتقطني

واضرب عدوك بي

فأنت الآن..حرٌّ.. وحرٌّ.. وحرٌّ

حـــــــــــــــــــــــــرٌّ

حاصر حصارك

بالجنود و بالجنون

ذهب اللذين تحبهم

آه... ذهبوا

فإما أن تكون...أن تكون... أن تكون.....

او لا تــــــــــكــــــــون

حاصر حصارك لا مفر ... اضرب عدوك لا مفر

حاصر حصارك لا مفر ... اضرب عدوك لا مفر

سقطت ذراعك فالتقطها ...وسقطت قربك فالتقطني

واضرب عدوك بي

فأنت الآن..حرٌّ.. وحرٌّ.. وحرٌّ

حـــــــــــــــــــــــــرٌّ