إن هذا المقال هو قطعة من حديث عبد الله بن حوالة الأزدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ستجندون أجنادا، جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن، فقلت: خِرْ لي يا رسول الله، قال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فمن أبى فليلحق باليمن، ويٌسق من غٌدٌره، فإن الله تكفل لي بالشام)) أبو داود.
إن هذا الحديث لو نزلناه على واقعنا لدل بوضوح على إرهاصات الملحمة الكبرى، وأن معاقل المسلمين على هذه الأرض بدأت تبرز شيئا فشيئا كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم قال: ((حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يكون للمسلمين ثلاث معاقل، فمعقلهم في الملحمة الكبرى التي تكون بعمق أنطاكية: دمشق، ومعقلهم من الدجال: بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج: طور سيناء))، الحلية لأبي نعيم، وفي خبر آخر عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام)) أبو داود.
إن المتأمل في عالمنا العربي، وبالأخص فلسطين والعراق والشام (سوريا) يكاد يصاب باليأس والإحباط لأن هذه الثلاث صارت لثلاث: ففلسطين للصهاينة المغتصبين منذ سبعة عقود، والعراق للصليبيين منذ عقد ونيف، وسوريا للشيوعيين منذ عام ونيف، ولولا تصدي المجاهدين البواسل لهؤلاء الغزاة المحتلين لما سمع أذان ولا إقامة في هذه البلدان، ففي فلسطين أهل غزة لا يزالون مرابطين صامدين صابرين، زادهم الله عزا ونصرا؛ وفي الشام والعراق خلفاء أسامة بن لادن وأبي مصعب الزرقاوي... لا يزالون يٌكْلَمون لا يبالون ما أصابهم في سبيل الله يصدون العدوان، متفانين في تحرير المقدسات والأوطان، حفظهم الله ورعاهم ونصرهم نصرا عزيزا.
أما اليمن فهو الآن تحت رحمة موقظي الفتنة، من الأنظمة الفاسدة، التي قعدت عن معالي الأمور فلم توجه رصاصة واحدة إلى الصهاينة ولا إلى الصليبيين والشيوعيين المحتلين للبلاد والمقدسات، المستنزفين للخيرات، فتنة أشعل نارها التحالف العربي بقيادة السعودية من جهة، والحوثيون الرافضة والجنرال المشوي من جهة أخرى؛ لكن لا يزال باليمن من قاعدة الجهاد جند من أجناد الله هم بالمرصاد لهؤلاء وأسيادهم في الغرب والشرق، (سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم، والساعة أدهى وأمر)، سيندثر التحالف العربي والرافضة وحليفهم، ويمكن الله لجنده في اليمن وسيسقون من غدره كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ولئن كانت الأنظمة العربية جادة في محاربة الروافض فعليها أن تنسق ـ وهو أمر مستبعد ـ مع المجاهدين لقتالهم وقتال حلفائهم حتى يخرج الجميع من البلاد التي احتلها، وإلا فلا تنتظرون إلا اجتماعهما على قتالكم وغزو بلادكم.
إن الغرب على رأسه أمريكا وحلف النيتو هم من مكن الروافض من بلاد المسلمين السنيين، إذ أنه منذ ما يزيد على ثلاثة عقود والقوة العسكرية لأهل السنة تستنزف بدءا بحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، ثم جاء الزحف الصليبي بقيادة أمريكا وحلفائها في الخليج وغيره حتى سقطت أفغانستان والعراق في أيديهم؛ ثم جاءت الحرب على الإرهاب؛ بل على الرجال المجاهدين، وكان أغلبهم من أهل السنة، فكانت القوة العسكرية لأهل السنة في تراجع بينما إيران تتهيأ لتكون دولة نووية، لهذا تمكن الشيعة من العراق واليمن وسوريا ولبنان، والقادم أسوأ إن لم يقاتل أهل السنة جميعا ـ أمريكا وروسيا وحلفائهما من الشيعة، سواء كانوا في العراق أو اليمن أو سوريا ـ قتالا يراد منه التمكين لدين الله لا لعرش الملك أو كرسي الرئيس.
إن الأنظمة السنية بقوتها العسكرية، إما أن تبقى مكتوفة الأيدي حيال ما يجري، وإما أن تقاتل الفصائل المجاهدة، وإما أن تقاتل الشيعة وحلفاءهم من الصليبيين والشيوعيين، فالعمل بمقتضى الأول معناه محو أهل السنة من الوجود، والعمل بمقتضى الثاني تكون به في كفة عدوها، فما بقى إلا أن تقاتل الصليبيين والشيوعيين الغزاة وحلفاءهم من الشيعة، فإن لم تفعل فإن المجاهدين للجميع بالمرصاد حتى يصد العدوان، وتحرر المقدسات والأوطان، ويمكن لدين الملك الديان.
إن التحالف الكفري والتحالف الشيعي صنوان، سيان في لزوم التصدي لهما، إن لم نقل إن الأول أولى بالحمل عليه لأنه من مهد للثاني وهيأ له أسباب التغلب على الطرف السني، وهذا لا يخفى على ذي لب.
فإن أبت الأنظمة السنية إلا التحالف مع الغرب الصليبي والشرق الشيوعي فستكون نسيا منسيا، ((فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم))؛ وقد أتى الله بالبذرة الأولى لهؤلاء القوم، متمثلة في المجاهدين في غزة، وأفغانستان، والعراق، وسوريا، واليمن، وسيناء، والصومال، ونيجيريا، وليبيا، وشمال مالي... وبهذا تحقق وعد رسول الله حين قال: ((ستجندون أجنادا...))، زاد الله سواد هذه الأجناد وأعزها ونصرها، ((وعد الله لا يخلف الله الميعاد)).
إن تحالف الأنظمة السنية والشيعية مع القوة الغازية، ليذكر بدور كٌومْيَاتْ في موريتانيا والحَرْكِيين في الجزائر فحين دخل المستعمر إلى هذين البلدين ظهر صنف من العملاء داعما للمستعمر الغازي، فكانوا يتجسسون على المجاهدين المقاومين، ويظاهرون المستعمر ويناصرونه، بل إنهم قاتلوا معه ودونه، فما أشبه الليلة بالبارحة، إذ نجد أن هؤلاء يحيون دور كٌومْيَاتْ والحَرْكِيين، وإن التاريخ سيحفظ لهم هذا الموقف المخزي كما حفظ لأولئك ذلك الموقف الدنيء السافل، بل إن الدور الذي قام به هؤلاء كان أشد من ذلك الدور الذي قام به أولئك، إذ أن هذه الأنظمة هي التي مهدت وسهلت دخول الغزاة إلى البلاد، بل مكنت له بعد الغزو وساعدته على تنفيذ مخططاته الاستعمارية، وأجندته الكفرية، وما العراق وأفغانستان منا ببعيدين؟!
ومن الغريب أن يقال إن حسنات هؤلاء تذهب سيئاتهم، فإن كان لهم من حسنات فهي على سبيل المثال لا الحصر: الخيانة والعمالة للغزاة حين سهلوا دخولهم إلى البلاد ومكنوا لهم بعد الدخول بالتعاون معهم عسكريا واقتصاديا، فهؤلاء الغزاة يرابطون عند كل بئر نفط، أو جبل ذهب، أو قطعة لحم حوت؛ وإن من حسناتهم الظلم والفساد الذي يشهد عليه القاصي الداني؛ فها هي الشعوب الإسلامية والعربية تعيش تحت رحمة الصهاينة والصليبيين والشيوعيين الذين يصبون النار على رؤوس هذه الشعوب صبٌا بالغدو والآصال.
وإنما حسنات المجاهدين هي التي تذهب سيئاتهم فهم من جاهد وقاوم لصد العدوان وتحرير الأوطان، مع شح الإمكانات، وقلة النصير، فهؤلاء قاموا بما تعين وجوبا علينا وعليهم، فضيعنا ما وجب، وأدوا واجبهم فلهم منا الشكر ولهم علينا المنة والفضل، وعليه فإنه على كل مسلم عاقل منصف أن يغض الطرف عن أخطاء هؤلاء المجاهدين ما داموا في ساحة المعركة حتى يصدوا العدوان، ويحرروا المقدسات والأوطان، فبعدئذ يحاسبون على أخطائهم، فيقال لهم: ((إن الحسنات يذهبن السيئات))، ((وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به))...
إن على المجاهدين المقاومين أن يوجهوا أعتى قوتهم إلى سوريا، فالعراق، فاليمن، فسيناء، فطوق إسرائيل الحسي والمعنوي، ليكون ذلك سبيلا إلى تحرير بلاد المسرى إن شاء الله، ولتعلموا أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرى، بل إن النصر كل النصر بالثبات على المبدإ الحق ـ الذي أنتم عليه ـ مع الاستعداد الدائم للتضحية بالنفس والمال وكل غال ونفيس، حتى التمكين أو الشهادة، وإن الهزيمة كل الهزيمة في الاستسلام والعمالة، والبخل بالنفس والمال... ((ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء)).
ولا يحزنكم معشر المجاهدين حملات التشويه، فإنما هي نمط من أنماط الصد عن سبيل الله، ولقد كنت أستمع إلى بعض كلام عدو الله اترامب ـ أيام حملته ـ الرئيس الأمريكي الجديد، فكان مما قاله: إننا نعذب سجناء أغوانتنامو بالماء، وهم يقطعون رقابنا هنا وهناك، بل إن أسلافك ـ يا طائش ـ من أوباما الغادر، وبوش الابن الأحيمق كأبيه، وسلف هؤلاء ممن حكم أمريكا هم من قطع رقاب المسلمين على أرضهم في فلسطين وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال... والقائمة تطول ـ فاستحققتم بذلك قطع رقابكم حين حللتم ببلدان المسلمين غازين، فكان الرد على العدوان بمثله عدلا وإنصافا، (ولِّ عَظّكْ ما عَظَيْتٌ إكٌولْ عَنّكْ بْلَا سَنَّيْنْ)، واستحق من أعانكم وكان ظهيرا لكم مثل ذلك، ((فلا تلوموني ولوموا أنفسكم)، فالمعركة مستمرة معكم حتى تخرجوا من بلاد المسلمين كما أخرجتم منها من قبل، ((والله متم نوره ولو كره الكافرون)).