قال وزير الخارجية الموريتاني الأسبق والقيادي السابق بالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة محمد فال ولد بلال إن المخرجات التي تمخض عها الحوار الوطني الشامل المنظم مؤخرا بين السلطة وبعض مكونات الطيف السياسي المعارض من شأنها أن تكون متنفسا للأزمة السياسية القئمة إذا لم تكن حلا لها.
وتطرق وزير الخارجة الأسبق في مقابلة شاملة مع موقع لبراكنة إنفو لمختلف تجليات المشهد السياسي الوطني والجهوي معربا عن دعمه لفكرة منح المنتخبين المحليين في مقاطعة مقطع لحجار مأمورية ثانية لجني ثمار الخبرة والتجربة التي اكتسبوها من المأمورية الأولى موضحا أن المأمورية الثانية هي مبدأ ديمقراطي عند الشعوب الواعية للمنتخب إذا ما أثبت في المأمورية الأولى أنه قادر على النهوض بدائرته الانتخابية.
وتحدث الوزير الأسبق محمد فال ولد بلال في المقابلة عن مستقبل وآفاق تنمية ولاية لبراكنة داعيا إلى نبذ التفرقة والتحرر من التخندق المقاطعي الضيق.
وهذا نص المقابلة:
لبراكنة إنفو: برز اسمكم في الفترة الأخيرة في الصف القيادي من منتدى المعارضة وكنتم أمينه التنفيذي ثم شاركتم في الحوار السياسي الأخير، هل ترون في مخرجات الحوار حلا للأزمة السياسية القائمة في البلد؟
كما قلتم أنا عضو مؤسس في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة بل أكثر من ذلك، تشرفتُ برئاسة اللجنة المنظّمة لجلساته التأسيسيّة بقصر المؤتمرات بتاريخ 28 فبراير، 1و2 مارس 2014 وتولّيتُ فيه مسؤوليات عديدة، أبْرَزُها الأمانة التنفيذيّة، وإني لفخور بذلك، وأعتزّ به في الحقيقة، أعتقدُ بأنّ المنتدى وُلد في وقت كانت البلاد بحاجة إليه لتَرْميم جدار المعارضة وتوحيد صفوفها بعد الانقسامات والخلافات السياسيّة والعمليّة التي كادت أنْ تعصف بها إثر حوار 2011، ثمّ انتخابات 2013.
فكان الهدف هو جمْعُ "أحزاب المنسقيّة" و"الأحزاب المشاركة في حوار 2011"، والأحزاب "المشاركة في انتخابات 2013"، ضمن إطار نضالي واحد، وتوسيع دائرة العمل المعارض ليشمل هيئات نقابيّة ومدَنيّة وشخصيّات مستقلّة. وهكذا، وُلِدَ "المنتدى" كإطار تنظيمي مفتوح ومَرِن، يضمُّ أقطابا مختلفة على أساس خطّة عمل موَحّدة تعتمدُ مبدأ الحوار الجاد والمسؤول مع النظام ومختلف مكوّنات الطيف السياسي كطريقة مُثْلى لحلّ الأزمة التي تتخبّط فيها البلاد.
ومعلومٌ أنّني بدأتُ أختلفُ مع أغلبيّة الجماعة في المنتدى منذ منتصف العام 2015، عندما دعوْتُ إلى القبول بالحوار مع النظام ومع أطراف المعارضة الأخرى بمجرّد أنْ يلتزم الرئيس باحترام المواد المحصّنة من الدستور، بما يقتضي خروجه من اللعبة السياسيّة.
وقد كتبتُ في ذلك مقالات عديدة، ودافعتُ من أعلى كلّ المنابر المتاحة عن مبدأ التهدئة، والحوار البنّاء، والتخفيف من المواجهة والاحتكاك حِفظاً على الأمن والسّلم الأهلي كشرط ضروري لتحقيق التناوب على السلطة في مُقابل عدم ترشُّح الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمأموريّة ثالثة، والتحاور معهُ لإيجاد أنجع الطرق لتنظيم انتخابات عادلة ونزيهة.
وانسجاماً مع قناعتي الرّاسخة بهذا الموقف، حضرت جلسة افتتاح الحوار يوم 29-9، وجلسة الاختتام في 21-10؛ ولكنّي لم أشارك في الورشات، ولم أدل بأي تصريح أو بيان احتراماً ووفاءً للإخوة والأصدقاء في المنتدى المقاطع للحوار
لبراكنة إنفو: ماذا عن الشق الثاني من السؤال؟
مخرجات الحوار مهمة بالتأكيد وأعتقد أنّ الأمر يتوقّفُ على كيفيّة تطبيقها وترجمتها في إجراءات عمليّة ملموسة وبنّاءة.
لبراكنة إنفو: ما الذي تعنيه بإجراءات عملية وملموسة؟
أعني بها أن يتم تطبيق ما اتفق عليه وهو للتذكير عدم ترشّح الرئيس لخلافة نفسه و الدعوة لإجراء انتخابات بلديّة وتشريعيّة مبكّرة و إنشاء مجلس دستوري توافقي، وجدير بالثّقة والاعتبار، فضلا عن اختيار لجنة وطنية مستقلّة للانتخابات كاملة السلطة، وذات مصداقيّة، و توطيد اللاّمركزيّة بإنشاء مجالس جهوية لدفع التنمية في الداخل، و تخفيف العبء المالي والتّشَتُتُ الوظيفي للمؤسّسات ودمج بعضها ببعض، - إلخ،،، كلّها إجراءات بنّاءة ومُفيدة، بمقدورها أنْ تعطي دفعا مهمّا للعمليّة السياسية في البلاد، وتنشُرُ جُرُعات من الاكْسِجينْ في السّاحة، إذا ما وجدت سبيلها إلى التطبيق الفعلي والعملي المطلوب.
فإنْ لمْ تكن حلاّ للأزمة، فإنها ستكون متنفّسا على الأقل.
لبراكنة إنفو: مخرجات الحوار تضمنت أيضا مساسا ببعض الرموز الوطنية كالعلم والنشيد الوطنيين كيف رأيتم ذلك؟
تغيير العلم والنشيد الوطنيّين، سيمر عبر استفتاء شعبي والجلسات الحوارية أوْصَت بعرض الموضوع على الاستفتاء ليقول الشعب كلمته، فقط، لا غير! ليس هناك ما يُلزِمُ المتحاورين بالتصويت "نعم" أو "لا" وعلى كل حال فوجهة نظري الشخصية هي أن المساس بالرموز لا يجب أن يتم إلا في حوار وطني أكثر شمولية وإجماعا وطنيا أكبر
لبراكنة إنفو: ما هي أهم التنازلات التي قدمها الطرفان أثناء جلسات الحوار؟
علينا جميعا أنْ نفهم بأنّ الحوار، أيّ حوار، يحتمل دائما تنازلات من كلّ الأطراف لصالح التفاهم والتوافق ومن هذا المنظور، فإن القبول بإجراء استفتاء حول تغيير بعض الرموز الوطنية يُمكن اعتبارهُ تنازلا من المعارضة
في مقابل تنازل الموالاة بقبولها إجراء انتخابات برلمانيّة وبلديّة سابقة لأوانها بإشراف هيئات توافقيّة جديدة، وخاصة مجلس دستوري توافقي ولجنة مستقلة للانتخابات توافقية أيضا وأعتبر شخصيا أن قبول الأغلبية للتنازل عن مكاسبها الانتخابية والتوجه نحو انتخابات مبكرة يعد مجازفة وتنازلا مهما لصالح الوفاق الوطني
وفي كلّ الأحوال، أقولُ ما قاله الامام الشافعي: رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيْري خطأ يحتملُ الصّواب
لبراكنة إنفو: ما هو موقفكم مما يجري في الساحة السياسية بمقاطعة مقطع لحجار وكيف تقيم أداء النخب السياسية وتعاطيها مع الشأن العام؟
لا غرابة في أنْ يكون مقطع لحجار ساحة حراك وسجال وتنافس ونضال فالمقاطعة لها تاريخ سياسي طويل وعريض؛ تاريخٌ مع الفكر والتضحية والعمل لا يحْتَملُ الجمود والرّوتين والرّكود.
فهي مقاطعة رائدة في الساحة السياسية الإقليميّة والوطنيّة، بعبقرية رجالها و نسائها و شبابها من جميع المشارب والجهات، تراهُم يُوالون الأنظمة دون ابتذال أو إطناب أو مغالاة ويُعارضون بجود وسخاء دون تشدّد أو غلو أو زلاّت يُسمِعون صوتهم و يفرضون حضورهم في الشأن العام، و ذاك ما جعلهم محطّ أنظار النخبة و العوام، و محل اعتبار عند الدولة و الأحكام
لبراكة إنفو: كيف تقرأ الساحة السياسية الحالية بمقطع لحجار وما هو الطرف الأكثر حضورا في الساحة في وجه الاستحقاقات المرتقبة؟
لم تتضح بعد ملامح الانتخابات البلدية والجهوية والبرلمانية القادمة. وحدَهُ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية هو الذي بدأ يهتز ويتحضّر. يبدو أنّ أحد الأعضاء المهمين في جناح "الأمل" المعروف محليّا بحلف "الوزير" قد أعلن رسميا عن ترشحه لمنصب النّائب.
وتتراوح الرّدود بين من يُحَبِّذُ التروّي والتمهل في الأمر، وينصحُ بالانتظار لمزيد من التشاور، وبين من يُرَحّب ويُؤيّد ويرى في المرشّح المعلن عنه مرشّحا مناسبا.
ولا أحد يعترض عليه بشكل صريح حتى الآن
أمّا الجناح الآخر المعروف باسم "الوفاء"، والذي يضم نوّابا وعضوا سابقا في مجلس الشيوخ وعُمدا سابقين ورجال أعمال فلم يصدر عنه أي شيء حتى الآن لم يُعلن عن مرشّح من داخله، ولم يُعلّق على مرشح الطرف الآخر. والسؤال المطروح هو إن
كان جناح "الوزير" سيحافظ على وحدة صفوفه وتماسكه في وجه الترشحات التي ستطال العمد أيضا وأعضاء المجالس الجهويّة؟ وهل حزب الاتحاد سيتمكّن من لمْلَمةَ أطرافه من خلال عملية كيميائيّة تجمع بيْن "الأمل" و"الوفاء" وتُرْضي الجميع؟ أمْ أنّ التجزئة ستكون سيّدة الموقف.
الوقت لا يزال مبكّرا على كل حال، ولا أحد يستطيع من الآن التنبّؤ بما سيَحْدُث، خاصّة وأنّ الترشيحات الآن هي مجرّد ترشيحات للتّرشح من حزب "الاتحاد" !؟
لبراكة إنفو: وماذا عن الطرف الآخر "المعارضة"؟
المعارضة لم تقل كلمتها حتى الآن، ولا أحد يدري بدقّة هل ستشارك في الانتخابات القادمة أم لا؟ مع أنّ المشاركة تبقى هي الاحتمال الأقوى في نظر معظم المحلّلين.
لبراكنة إنفو: هل ترى حقا أن للمعارضة حضور فعلي ومؤثر في الساحة السياسية لمقطع لحجار؟
طبعا المعارضة في مقطع لحجار يجب أن يحسب لها أكثر من حِسَاب فلقد برهنت في انتخابات 2013 على أنّ لها وجود فعلي ومؤثر
كلّنا نتذكّر كيْف أنّ حزب "تواصل"، بعد تردّد طويل وتأخُّر شديد في اتخاذ قراره بالمشاركة، استطاع أنْ يَجُرّ "الاتحاد" مُرْغماً، مُتْعَباً، ومُرْهَقاً إلى شوط ثانٍ. لقد كانت خسارة "تواصل" بطعْم الانتصار، إذ أنّها جاءت نتيجة تضافر جهود المعارضة (تقدم، التحالف، التكتل،،،) التي قرّرت قياداتها المحليّة معاقبة "تواصل" على مشاركته من جهة، وجهود الموالاة من جهة أخرى...
لبراكنة إنفو: لكن الوجود الذي تتحدث عنه يرى البعض أنه يبقى ضعيفا إذا ما قورن بالطرف الآخر "حلف الوزير مثلا"؟
لا أعتقد أنّ حزب الاتحاد سيكون في يوم من الأيام أقوى بمرشحيه ممّا كان عليه في عام 2013، ومع ذلك، كاد أن يخسر السباق لولا تدخل المعارضة المحليّة في الشوط الثاني، بالإضافة إلى الطّابع الاستثنائي للمرشح المرحوم سيدي محمد ولد محمد السالم الذي ساهم شخصهُ الكريم في حسم المعركة، بأخلاقه وقَبُوله وشعبيّته ومحَبّته في النّاس
لبراكنة إنفو: وما ذا عن موقفكم الشخصي؟
موقفي الشخصي، هو أن مقطع لحجار لم يعُد بالنسبة لي ساحة نِزال وصراع لقد أعطيتُهُ من وقتي وجهدي ما أستطيع، وأخذْتُ منه ما يكفي أو يزيد. ولم يبق أمامي إلاّ مصالحة الجميع وتعزيز روابط الأخوّة والمحبّة مع الجميع وهكذا، وانسجاماً مع موقفي المستقل، فإنّي سوف أنأى بنفسي عن الصراعات المحليّة مهما كانت طبيعتها لن أترشّح، ولن أدعم مرشحاً ضدّ آخر، ولكنّي أمدّ يد الأخوّة والصداقة والمودّة لجميع الأطراف.
فأنا لا أنتمي لحزب ولا حلف ولا جماعة محليّة، وأعتبر نفسي على نفس المسافّة من الجميع.
لبراكنة إنفو: كيف تقيمون الجهود التنموية على المستوى الجهوي المقام بها من طرف النظام القائم؟
لاشكّ في أنّ نظام ولد عبد العزيز بذل جهودا لا يُستهانُ بها لدفع عجلة التنميّة في ولاية لبراكنه. ولا يهمّني هنا سرد ما تمّ إنجازاه حتى الآن، تلك مهمّة الموالاة، وتؤدّيها ب"إطناب" و"زيادة" ! بمعنى أنّني سأكتفي بالإشارة بسرعة إلى بعض الاختلالات البارزة التي تعترض سبيل التنمية في ولايتنا، مع تقديم بعض الاقتراحات.
أستطيع القول بأنّ ولاية لبراكنه لم تحظ حتى الآن بالاهتمام اللاّزم على غرار الولايات الشمالية مثلاً التي اجتذبت تمويلات هائلة لاستغلال الثروات المعدنية، وتطوير السياحة و"الواحات"، والولايات الساحليّة التي استفادت من مليارات الأوقيّة لتنمية قطاع الصيد البحري، والولايات الشرقية التي في طريقها إلى الاستفادة من تطوير وتنميّة الثروة الحيوانية وإذا كانت الدولة قد خصّصت موارد مهمّة للقطاع الزراعي في الولايات الجنوبيّة، وبالذّات في الضفّة، فإنّ نصيب لبراكنه لا يزال ضئيلا بالمقارنة مع اترارزه وكوركول على الأقل.
وعلى المجلس الجهوي القادم أنْ يركّز جهوده باتجاه مضاعفة الطاقة الاستثمارية والامكانات المخصّصة لتنميّة الولاية.
معلوم أنّ لبراكنه تنقسمُ إلى 3 مناطق: منطقةٌ صحراويةٌ في الشمال، ومنطقةُ زراعة مطريّة في الوسط، ومنطقةُ زراعة مرْوِية في الجنوب. ولا يختلف إثنان في أنّ شمال الولاية مهمل تماما منذ ميلاد الدولة الموريتانية، ولكنّه اليوم صارَ يهدّد الولاية ككُل بالكوارث البيئيّة المتتاليّة الناجمة عن التصحّر وزحف الرّمال. ولمواجهة هذا الوضع الخطير، ينبغي الإسراع في تنفيذ برامج تشجير حقيقيّة على نطاق واسع بشتّى الطرق والوسائل الممكنة بما في ذلك الطيران، واستغلال المقدّرات السياحية الهائلة التي تزخر بها المنطقة (خاصّة أكان، وآنكيم، ألخ...).
وفَوْقَ ذلك وقبله، يجبُ اعتماد سياسة مائيّة أكثر شجاعة واندفاع والتزام تُمكّنُنا من تأهيل المنطقة للسّكن بما يسمحُ للولاية بالتنفُّس والتّمَدد شمالا وتخفيف الضغط الديمغرافي المُذْهِل على منطقة "شمامَه" المكتظة والآهلة بالسكان.
3- أمّا المنطقة الوسطية من الولاية، فهي منطقة زراعة مطرية. وقد تبيّن للجميع أنّهُ بصراحة لا فائدة كبيرة تُرجى من هذا النوع من الزراعة قليلة الفائدة وعديمة المردودية. منذ قيام الدولة، والنهج المتبع هو ذاته بلا تغيير: بناء سدود رمليّة أو إسمنتيّة، ثمّ حبس المياه المطريّة، ثمّ فِلاحة الأرض بوسائل وتقنيات قديمة قِدَمَ القرون الوُسْطى (الكَجِ بأواجيل، أرشّاخ، الكادوم، وفْدُ، إلخ،،،) !؟ وفي النهاية يكون المحصول صفرا، أو قريبا من الصفر !؟
و أعتقد بصراحة أنّه حان وقت المراجعة والتفكير في أنماط بديلة عن الفلاحة المطرية القديمة، أو تطويرها وتعزيز قدراتها من حيث الوسائل والتقنيات والتوجيه والإرشاد لتكون أكثر مردودية وفائدة، وتندمج أكثر في الدورة الاقتصاديّة.
وفي منطقة الضفة أو على الأصح منطقة "شمامه"، فإنّ السياسات المتبعة في مجال القرض الزراعي، واستصلاح الأراضي، ودعم الانتاج وتنوّعه وربطه بالصناعة الوطنيّة، وتسويق المنتوجات داخليا وخارجيا، والسّيْر الحثيث نحو مَكْنَنَة العملية الزراعية بمُجْمَلها...
هذه السياسات لمْ تُعْطِ أكلها حتى الآن، وهو ما جعل القطاع بأكمله يترنّح من أزمة إلى أخرى. زِدْ على ذلك، ما تعانيه المنطقة من نزاعات ومشاكل لا تحصى ولا تُعَد في مجال الملكية العقاريّة وتعقيدات الجمع بين إرادة الدولة في الاستحواذ على الأراضي وإرادة الملاك التقليديّين والعشائر والقرى في الحفاظ على ممتلكاتهم، إلخ...
لبراكنة إنفو: إذا ما هو المطلوب من المجلس الجهوي القادم؟
المجلس الجهوي القادم ينتظر منه أنْ يقوم بما يلزم لفرض إعادة النظر في قانون الإصلاح العقاري ومراجعته آخذا في الاعتبار حلّ المشاكل الموجودة حاليا، وتفادي تكرارها في المستقبل. لكن دعني أقول أنه لا يُمكِنُ الحديث عن تنميّة لبراكنه دون التطرُّق إلى موضوع الموارد البشرية المهمّة التي تتوفّر عليها الولاية. بالفعل، إذا كان الشمال الموريتاني غني بالمعادن والواحات، والسّاحل غني بالشواطئ والأسماك، والشرق غني بالمراعي والحيوانات، والجنوب غني بالمزروعات،،، فإنّ ولاية لبراكنه تسدّ نقص مواردها الطبيعيّة بما لديها من موارد بشريّة. وبالتالي، فإن تنميتها تمرّ حتما بتنميّة التعليم وإصلاحه حتّى يتسنّى لها دوْماً الإسهام في النهضة الوطنية بتوفير الكادر البشري القادر والكُفْء.
لبراكنة إنفو: كيف تنظرون لفكرة إنشاء المجالس الجهوية؟
أعتقد أنّ فكرة إنشاء مجالس جهويّة فكرة طيّبة، إذ أنّ اللاّمركزية أثبتت نجاعتها في رسم الخطط التنموية وتقريب الادارة ومصادر القرار من واقع المواطن وطموحاته ورغباته ونحن في ولاية لبراكنه ربّما نكون بحاجة إلى مجلس جهوي أكثر من غيرنا لتجاوز واقع التجزئة والانقسام القائم حاليا، حيثُ نرى كلّ مقاطعة مُنغلقة على ذاتها حصرِيّا دون أي اتصال أو علاقة أخذ أو عطاء مع محيطها الأخوي والأهلي.
إن المجالس الجهويّة من شأنها، إذا ما أتْقِنَ العمل بها وصدقت النيّات، أنْ تُعيد للولاية هويّتها ووحدتها وانسجام سكانها وترابطهم فيما بينهم وتوادّهم وتواصلهم خدمةً لمصالحهم ومصالح الوطن ككل. لقد عهدنا لبراكنه في الستينات ولاية واحدة، عبارة عن جسم بشري واقتصادي وسياسي واحد،،، تخوض السياسة الوطنية في إطار جماعة واحدة أو على الأكثر في حلفين عظيمين لكلٍّ منهما قادته وقواعده وانتشاره في جميع أنحاء الولاية. هكذا كانت لبراكنه! أين هي اليوم؟ أين وشائج القربى بين مجموعات لبراكنه؟ أين العهود بيْنَ أولاد عبد اللّا وأهل "تورو" مثَلاً، وبيْن أولاد نغماش وأهل "والو"؟ إلخ،،،
كلّ مقاطعة لها وُجهتها اليوم، ومصالحها الضّيقة، واهتماماتها في حين أنّ الوحدة والتنمية تقتضيان التواصل والتضامن والانصهار في بَوْتَقَة واحدة في دفء الوطن.
لبراكنة إنفو: لك تاريخ سياسي ونضالي طويل هل تنوي كتابة مذكرات؟
نعم ! إنّي تقدّمتُ جدّا في كتابة مذكّرات تعطي تجربة حياة،،، وأرجو أن تُفيد جيل الشباب والأجيال القادمة. وأسِرُّ عليكم بأن جزءها الأول قيد الطباعة حاليا في لبنان.
لبراكنة إنفو: كيف تقيمون أداء المنتخبين الحاليين "العمد والنواب"؟
أعتقد أنّ الذي يُمَيِّزُ الشّعوبَ الواعيّة سياسيّا والمتقدّمة حضاريّا عن غيرها من الشعوب هو كوْنها في الغالب تُعيد انتخاب ممثّليها من رؤساء أو شيوخ أو نوّاب أو عُمَد لمأموريّتيْن اثْنَتَيْن. والحِكمَةُ في ذلك، هو إعطاءُ المسؤول المُنْتَخَب فُرْصَةَ الاطلاع على الشأن العام، والتّكوين، والتعلّم، والتفقُّه، واكتِساب الخِبْرَة اللاّزمة للقيّادة في المأموريّة الأولى برجاء أنْ تكونَ المأمورية الثانيّة مَضْمُونة النّتيجة ولا يستساغ عدم إعادة الاتخاب لمأمورية ثانية إلا في حال كانت حصيلة عمله متدنية في المأمورية الأولى ويسُدّونَ البابَ أمامَ المأموريّة الثالثَة خوْفا من تفشّي الاستبداد! شخصيا، أنْصَحُ بهذا الموقف وأعتبره موقفا مسؤولا لكن هل سيكون الناخبون في مقطع لحجار والأحزاب السياسية على هذا الموقف أم لا؟ الله تعالى أعلم!
لبراكنة إنفو: كيف تنظر لأداء الإعلام الجهوي وما هو المنتظر منه هو الآخر؟
الإعلام الجهوي أتمنى أن ينهض من عثرته ليواكب عملية النهوض بالولاية إلى مزيد من الاتحاد والاندماج والانسجام، وأن يفتح أبواب النقاش والتفكير الجاد والمناظرات الأكاديميّة في وجه الكوادر والخبراء وأصحاب الريّادة والقرار.
إنّنا نحتاج إلى الخروج من التموْقع المقاطعي الضّيق نحو نظرة أكثر اتّساعاً تلامسُ هموم الولاية والوطن.
ولن يتأتّى ذلك دون ثورة في الاعلام تحرّره من مستنقع المنتديات القبليّة والمحليّة. وغوغاء وهرج ومرج صفحات الفيس...