من حق الوحدة الوطنية أن تتصدر خطاب التنصيب لرئيس الجمهورية/ بقلم: عبد الله ولد حامدينو

جمعة, 2014-08-15 09:51

بإطلالة بسيطة على بوابة هذا البلد الطيب، تغشاك "الجمهورية الإسلامية الموريتانية" على مدخله؛ و يكفي ذالك الاسم دلالة عمق و حقيقة واقع؛ إذ بالعودة لقراءة نبذة من تاريخ هذه الأمة؛ يكتشف الباحث بسهولة، أن هذه الأرض الطاهرة قد سقتها، من قبل، محابر العلم الشرعي، فأنبتت من فنون شجر العلم ما اخضرت به؛ و ازدانت، و ازدهرت به مكتبات الكثير من بقاع العالم الإسلامي؛ حتى شاع و ذاع اسم بلد شنقيط، مقارنا للعلوم الشرعية و اللغة العربية؛ قبل مولد الدولة الموريتانية الحديثة؛ و لم تكن تسمية موريتانيا بالإسلامية - سبقا لعامة الدول العربية- اعتباطا، فأبناء الاستقلال من بلاد شنقيط؛ وانطلاقا من إيمانهم و إدراكهم لعمق و تجذر الإسلام في كيان الشعب، لم يجدوا بدا من تصدر اسم الجمهورية الوليدة بالإسلام .

 

محليا، و في عموم الاقطار العربية والإسلامية، رسخت من فبل قدم بلاد شنقيط، عبـــــــــر جســـــــور العلـــم و الـــورع، و اشتد عودها، و أضحت قبلة مفضلة لمبتغيي العلم و الفضيلة؛ ثم جاء الدستور الموريتاني الحديث ليجسد المرجعية الإسلامية للقطر الموريتاني، تشريعا، ودينا للرئيس وللدولة؛ مرجعية موحدة لمختلف المكونات العرقية والفئوية التي تؤلف نسيج الشعب والدولة، حيث يمثل الإسلام و المواطنة؛ و التاريخ المديد، نماذج فريدة من الأخوة والتعايش، و التكافل الاجتماعي .

 

ولقد قامت السلطة الوطنية - منذ تولي فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز مقاليدها- بمعالجة سريعة لملف الإرث الإنساني، وعملت على محو الفوارق الاجتماعية، بسن قانون تجريم ممارسة العبودية؛ وبوأت مختلف فئات المجتمع الموريتاني كافة المواقع السيادية في الدولة، إضافة إلى خلق مؤسسات تتولى الرفع من المستوى المعيشي و الاقتصادي والاجتماعي لأكثر طبقات المجتمع الموريتاني هشاشة، سبيلا للقضاء على مخلفات تلك التراكمات التي لم تحظ بعناية تذكر، طوال تعاقب الأنظمة السابقة، وذلك محوا للفوارق، و تجسيدا للحمة؛ و تحقيقا للمساواة، قبل أن يتم تدعيم ذالك كله برافد حرية الإعلام و الرأي، وفتح أبواب التعبير التي ظلت موصدة أمام المظلومين و المهمشين.

 

خطوات جبارة، تضمنتها من قبل البرامج الانتخابية لفخامة رئيـــس الجمهوريــــــــــــة، محمد ولد عبد العزيز، في مأموريتيه الأولى، كما في الثانية، أعادت التذكير بتلك المعاني والمفاهيم، تجسيدا لكتاب الله ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم.....) و للسنة المطهرة ( لا فضـــــل لعربــــــي على أعجمــــــــي إلا بالتقوى......)؛ ولدستور الجمهورية (المواطنون سواسية أمام القانون)؛ كان في المقدمة منها توحيد كل القوانين و المعايير التنظيمية الوطنية، إتاحة للفرص أمام جميع المواطنين بدون تمييز، وتوحيـــــــــــد دليـــــل الرواتب و المؤهلات العلمية؛......)؛ بالإضافة إلى التمييز الإيجابي، ذي البعد الإنساني و الوطني، الذي طال فئات من المجتمع مؤهلة موضوعيا لتلك الاعتبارات.

 

على الرغم من ذالك كله، فإننا نرى بلدنا الطاهر يشهد من الأحداث ما استهدف و يستهدف عمق مقدساته؛ و ثوابت حضارتـــه و لحمته الوطنية؛ حيث تجاسر البعض من أبنائه، على استهداف صميــــم كيانه ( الإسلام و الوحدة الوطنية)؛ وامتطى الحرية الممنوحة في العهد الجديد، للنيل من تلك الثوابت، مشكلا لمتنكبي الصواب من أبناء شنقيط، مجالا لتتوالى منكرات القول و الفعل، مما يحتسبونه هينا، و هو عند الله عظيم.

 

منكرات مكتوبة، كتلك التي حملتها ذات مرة جريدة ناطقة باسم حزب حاكم - في بداية التسعينيات- ترحب فيها بمن يرتد عن دينه؛ أو تلك التي حملها المصدر نفسه، و في الظرف الزمني ذاته، والتي تقارن بين الأذان وأصوات الحمير المنكرة؛ ومنكرات فعلية عملية حين أقدم البعض على حرق بعض أمهات الفقه المالكي في وضح النهار، أزكم دخانها و غبار معركة حرقها، أنوف المؤمنين، وألهب مشاعر الأمة كلها؛ من قبل أن يخرج من طابور الانحراف، مسيء إلى مشاعر المؤمنين متطاولا على الجناب النبوي، موشحا نفسه بوسام الخروج من الملة، ثم تتوالى إهانات المرتدين، بتمزيق المصاحف أمام بوابات المراحيض، يوما واحدا بعد تدشين قناة المحظرة، فيما بدا استهتارا واستخفافا بالنظام الردعي القائم، بتلاحق ضربات الانحراف لصميم ثوابت و مقدسات الأمة (دينها؛ دستورها؛ و وحدتها الوطنية).

 

لقد اتضح للعديد من المتابعين للحراكات ذات الطابع المسيء إلى المقدسات أو الثوابت الوطنية، والتي أصبحت منذ بعض الوقت موضة لصيادي التفرقة ومروجي الفتن، أن ما قام به فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ود عبد العزيز، خلال مأموريته الأولى، من تقريب لممثلين من هؤلاء وأولئك، وتعيينات في مراكز هامة في مفاصل الدولة، والتمييزات والإيثارات الإيجابية، ذات المحتوى الإنساني الوطني المحض؛ قد أسيئ فهمه، فاعتبره بعض من تنكبوا الصواب، مباركة و تشجيعا لاستباحة مزيد من الثوابت؛ فحمل خطاب فخامة رئيس الجمهورية بمناسبة تنصيبه، الرد المناسب، في الوقت المناسب؛ فكان للوحدة الوطنية فيه، وللثوابت والمقدسات، الحيز الأهم؛ حيث شكلا معالم الخطوط الحمراء للمأمورية الجديدة لرئيس الجمهورية.

 

وإذا كان من المؤسف حقا القول إن ساعة استشعار الخطر قد أزفت، حيث باتت نذر الفتنة على الأبواب، فإن من المفرح المبهج، أن يكون الإعلان عن اعتبار كل تلك الإساءات خطوطا حمرا، من أعلى سلطة في الدولة، خلال أضخم تجمع سياسيي تعرفه البلاد، في نقل حي لمختلف وسائل الإعلام، وأمام الضيف المبجلين من الأشقاء والأصدقاء.

 

أخيرا فإن من الواضح أن أحد عوامل الفتنة كان إساءة استخدام الحريات الممنوحة في العهد الجديد؛ وهو ما يحتم على الجميع، مسئولين ونخبا ومواطنين، كل فيما يخصه، العمل الجاد على إلجام تلك الأصوات النشاز، بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، أداء لأمانة الوطن، ووفاء بالتزاماته، ودفاعا عن ثوابته ومقدساته، وتنكيسا بالتي هي أحسن لكل اللافتات ذات الطابع المفرق أيا كان مصدرها.

 

نواكشوط بتاريخ 14/08/2014 عبد الله ولد حامدينو