لا يسلم ابن حرة زميله * حتى يموت أو يرى سبيله ( أبو البختري ابن هشام ) لست سياسيا وفي الحالات القليلة التي تجبرني فيها المسئولية الأخلاقية على الحديث في السياسة أحس باختناق شديد فأين الشعر و الفن والجمال من السياسة ومشتقاتها وهذا رأيي الذي بالطبع لا يشاركني فيه الكثيرون .. لا أعرف الكثير من السياسيين وإن كنت احتفظ لنفسي بقائمة قليلة الأسماء معارضة وأغلبية من الذين أنا مفتون بهم بفصاحتهم و شجاعتهم و ذكائهم و ربما حجتهم الناهضة .. و لعل نائب أطار السابق الأستاذ سيدي محمد ولد محم من أبرز أولئك ..
سمعت اسم الرجل لأول مرة في أواخر الثمانينيات و لا أتذكر المناسبة بالضبط .. غير أن عودته بقوة إلى سمعي و اهتمامي كانت في أواخر أيام العقيد معاوية ولد الطايع و محاكمات واد الناقة .. حيث لبس الرجل لبوس المحامي الشهم صاحب المبدأ و الخلق ..
و لم يال جهدا في الدفاع عن موكليه يوم زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر .. كان أداء الشاب المحامي مميزا سعد به المقهورون الخائفون وأزعج الحاكمين المتسلطين ...و مما يزيد موقفه ألقا و يضفي عليه صفة المبدئية و المصداقية أنه أحد أبناء عمومة الرئيس حينها و لم يكن ثمة من مانع في أن ينضم إلى الجوقة ..بل لربما كان بإمكانه أن يكون قائد الأوركسترا .. تتغير الأيام و يدخل المحامي الشاب بقوة إلى المشهد السياسي ليشتهر بكلماته الأكثر حضورا و تأثيرا ..
و في كل مواقفه السياسية حتى التي كنا نحتلف حولها كمتشبهين بالمثقفين لم يعدم الرجل حجة لا يمكن إلغاؤها أو القفز عليها ..يتميز ولد محم إلى ذلك بثقافة واسعة وبيد طولى من معرفة لغن و الشعر و دراية تامة بتاريخ المنطقة و أسرارها و خصوصياتها .. لقد أتيحت لي قبل فترة توزير الأستاذ فرصة لقائه عدة مرات و في كل مرة أخرج معجبا بالرجل .. فهو رجل بر بوالديه ... و يجلس إليك كأخ حميم غير مكترث بغرابة أسئلتك وربما انتقادك الذي يمكن أن تعبر عنه ..
إنه في النقاش يشبه تماما السيارة رباعية الدفع وهي تجوب الصحراء فلا الكثبان التي تتوهم أنك وضعتها تحد من سرعته في إمطارك بالحجج الدامغة المترجمة بلسان فصيح ينتقي المعنى المقصود بدقة و لا يترك للمحاور فرصة غير الإعجاب و الحيرة من قرب المأخذ و وضوح القصد .. حين بلغني قبل أشهر توليه منصب وزير الاتصال سعدت كثيرا بالاختيار لعدة أسباب منها تمنياتي الشخصية له و أنه جدير بالمنصب ولأنه سيبعث روحا في الكلمات كل خميس .. إنني بصراحة أحب تراشق السياسيين بالكلمات وأيما سياسي غير مفوه فاشهدوا أنني منه بريئ ..كانت فترة تولي ولد محم لمنصبه من أكثر الفترات التي يحتاج فيها النظام الحالي رجلا بوزنه وكفاءته و لقد تابعت أغلب تصريحاته و مقابلاته فبدا لي أحسن من يدافع عن موقفه و يقرب الفكرة و يقضم من شعبية خصومه السياسيين .
تابعت مقابلته مع الأستاذ الوديعة في قناة المرابطون فبدا لي أداؤه أداء وزير إعلام من الطراز الأول وليس وزير إعلام من صنع تايواني .. لقد تمكن ولد محم من الدفاع عن قرارات الحكومة التي كان عضوا فيها وأطفأ الله به نار الفتنة التي كادت تعصف باستقرار البلد نتيجة خبر اتضح أنه غير دقيق ...أدى الرجل مهمته على أحسن ما يكون وبأفضل طريقة ممكنة ... ولربما كان ذلك أقصى هدف له فمثله لا يهتم لراتب المنصب أو مميزاته .. إنما اهتمامه منصب على أداء دور يعتقد أنه منسجم مع قناعاته وأفكاره.
حين غاب اسم الرجل عن قائمة الحكومة الجديدة انقسم الناس كعادتهم حول الرجل لأتذكر وصف المنفلوطي للرجل العظيم بأنه ذلك الذي لا يتفق الناس بخصوصه .. ومهما يكن من أمر فإن لصاحبنا شأنا في ماضي الأيام ومستقبلها ... وهو شأن بكل تأكيد يقدم الرجل كواحد من أهم السياسيين الموريتانيين وأكثرهم فصاحة وبيانا و أكثرهم حضورا و جدارة بخدمة أي مشروع يراه ..
تمنياتي للوزير بكل خير وبمزيد من التألق الدائم الذي يستحقه .