الدبلوماسي الموريتاني د. محمد سالم الصوفي : "الرؤية الجديدة" أول حزب سياسي موريتاني للشعراء(مقابلة)

-A A +A
خميس, 2014-09-04 08:43

برغم أن موريتانيا عضو ناشط في الجامعة، منذ سنوات طويلة، و بها أدباء من العيار الثقيل، فإن قلة من مثقفي مصر التي قد تلم ببعض جوانب الإبداع الموريتاني.

 

"الأهرام العربي" انتهزت فرصة عودة المفكر والأديب والصحفي الموريتاني والصحفي د. محمد سالم الصوفي، مدير إدارة الثقافة وحوار الحضارات بجامعة الدول العربية، من إجازة العيد، التي قضاها في بلاده، لتلتقي معه في نقاش حول الثقافة والإبداع والحياة الأدبية والمسرحية في موريتانيا، وأسباب القطيعة بين مثقفي بلاده والمشرق العربي، وكان هذا الحوار:

 

* كيف تصف المشهد الثقافي الراهن في موريتانيا؟

**هناك ما يمكن وصفه بالنشاط أو التنشيط للواقع الثقافي، فالمدن التاريخية الأثرية (وادان، تيشيت، ولاته، شنقيط) أصبحت لها مهرجاناتها الثقافية السنوية، التي تعرض تاريخها ومنتجاتها وفولكلورها وصناعاتها التقليدية ومخطوطاتها العلمية، وما تزخر به مكتباتها من مؤلفات قيمة، بحضور الجمهور والباحثين والسياح، هذا بالإضافة إلى المهرجان الشعري الدولي السنوي، الذي يقام في نواكشوط، وأسهم الانفراج الذي شهده الإعلام الموريتاني، بالترخيص للقنوات الفضائية والإذاعات الحرة، في الدفع بالساحة الثقافية إلى الأمام، فهناك مسابقات ثقافية وندوات شعرية ونقاشات حول الموروث الثقافي، وتقارير عن الصناعات التقليدية والغناء والرقص والزخرفة والمحميات الطبيعية والثروات السياحية الكثيرة، كما ظهرت مطابع جديدة حفزت النشر، خصوصا أن سلطة الرقيب القانوني انتهت مع الانفتاح الديمقراطي.

 

*هناك شيء من الانفصال بين موريتانيا والمشرق العربي في الفكر والأدب والثقافة... إلى ماذا نرده وكيف نعالجه؟

**لعل الأمر عائدًا بالأساس إلى نقص التبادل، وقلة الاحتكاك، وغياب التنسيق بين الجامعات والمعاهد والمفكرين والأدباء والمثقفين، فمن الملاحظ أن الكتب والدواوين التي تصدر في المشرق لا تصل موريتانيا إلا متأخرة، والكتب التي تصدر في موريتانيا لا تصل إلى المشرق في الغالب الأعم، وإنهاء هذه القطيعة ممكن من خلال إقامة معارض للكتب المشرقية في موريتانيا، والعكس، ومضاعفة التعاون والتبادل بين جامعات ومعاهد المشرق، مع أخواتها في موريتانيا، وللحق لا ننسى أن المركز الثقافي المصري في نواكشوط لعب أدوارًا كبيرة في ربط ما أمكن ربطه من تلك الصلات المفقودة.

 

* نلاحظ غياب المسرحية الشعرية في الإبداع الموريتاني... فإلى ماذا تردون هذا الغياب؟

**لا يوجد في موريتانيا شعر مسرحي بمعنى الكلمة، ويعود ذلك إلى غياب ثقافة المسرح أصلًا من المشهد الثقافي، فالمسرح في موريتانيا بدأ في الستينيات لكنه لم يتطور قيد أنملة في شكله ووسائط تقديمه، لأنه لا توجد في البلاد أي معاهد أو مدارس لتعليمه، وبما أن الشعر هو - بالأساس ـ نتاج واقعه وبيئته، فلا يمكن أن يتأثر ببعد ثقافي غير موجود أصلًا في الواقع الثقافي، والبيئة الاجتماعية للبلاد، وبعامة فالشعر المسرحي في العالم العربي لا يزال باهتًا خجولًا وغير مقنع، والمجتمع الموريتاني شاعر بطبيعته، لأن كل واحد - إلا ما ندر - إما يقرض الشعر الفصيح، أو يقرض الشعر الحساني، حتى ولو كان أميًا، أو يقرضهما معًا، فالشعر في موريتانيا بلغ مرحلة من التغلغل في كل مناحي الحياة، إلى درجة جعلت وزارة الداخلية - في سابقة في تاريخ العالم - ترخص لحزب سياسي للشعراء باسم "الرؤية الجديدة"، يرأسه الشاعر محمد ولد والد، ويتولى أمانته العامة الشاعر النبهاني ولد محمد فال.

 

* برغم أن السينما في موريتانيا شهدت في بداية سبعينيات القرن الماضي محاولات جادة لإرساء سينما ذات هوية وطنية، فإننا نلحظ ندرة الأعمال السينمائية وضعف تأثيرها... فما تبريركم؟

 

**مجال السينما لدينا شهد انتكاسة كبيرة، فقد انتعش من سنة 1960 إلى سنة 1978 تقريبًا، ثم بعد ذلك اختفى تمامًا، ولمدة تزيد على 20 سنة، إذ لم يظهر للوجود إلا مع إنشاء دار السينمائيين الموريتانيين سنة 2002.

 

وكان أول من بني قاعة عرض المواطن الفرنسي كوميز سنة 1960، تبعه رجل الأعمال همام فال، ببناء عدة قاعات للعرض السينمائي، في مختلف مقاطعات العاصمة نواكشوط، بل وأنتج هو نفسه أفلامًا جيدة، من بينها فيلم "ميمونة"، وفيلم "ترجيت"، وفيلم "الرّحـل العصريون"، ووصل عدد قاعات العرض ما بين 1976 و1978 إلى 10 قاعات، مما حدا بالحكومة الموريتانية إلى إنشاء الهيئة الوطنية للسينما، بهدف ترقية الفن السابع، ووضع البنية التحتية اللازمة له، وفي سنة 1978 توفي همام فال، وبدأت السينما فى التراجع، لتختفي قاعاتها نهائيًا، بسبب إهمال الدولة وعزوف الجمهور ورحيل أول موريتاني آمن بها واستثمر فيها، فإن هذين العقدين المزدهرين شهدا بروز سينمائيين كبار، أمثال محمد هندُ وسيدنا سوخنا وعبدالرحمن سيساغو وكريم مسكه، الذين هاجروا كلهم، وقدموا أعمالًا كبيرة في المنفى، وفي هذا الصدد نذكر فيلم "في انتظار السعادة" للسينمائي سيساغو، الذي فاز في عدة مهرجانات دولية.

 

والمفارقة تكمن في أن 600 ألف شخص كانوا يتمتعون بـ 10 قاعات عرض، بينما نجد الآن ما يناهز 4 ملايين شخص دون قاعة عرض واحدة، علمًا بأن نشاط دار السينمائيين يتم في قاعات مفتوحة وضمن مناسبات معينة.

 

وأعتقد أن غزو الشاشة الصغيرة لعب دوره في تكوين ذائقة جديدة تنحو إلى الأفلام التركية واللاتينية والهندية، عبر القنوات وداخل المنازل، بدل الدخول في قاعات مزدحمة، الأمر الذي تحاول دار السينمائيين، المرخصة سنة 2002، تلافيه، بدعم من جهود وتجربة وعلاقات السينمائي عبدالرحمن سيساغو، وبمعية مجموعة من الشباب، الذين يبذلون كل الجهود، لإيجاد أو بعث سينما وطنية جديدة قوامها الالتزام، ولدى موريتانيا اليوم، ومنذ سنوات، مهرجان "أسبوع الفيلم الوطني"، الذي يشهد عرض مجموعة من الأفلام الجديدة، كما يشارك سينمائيوها في عديد المهرجانات الدولية، كمهرجان الجزائر للفيلم المغاربي، الذي شاركت فيه موريتانيا سنة 2013 بأربعة أفلام، منها "صديقي الذي اختفى" للمخرج زين العابدين ولد محمد، و"محمود مسومه"، الذي يحكي قصة عبد حرمته الفوارق الاجتماعية من بناء علاقة عاطفية مع سيدته.

 

وهناك محاولات لإعادة الحياة لهذا القطاع المهم من النشاط الثقافي، لعل أخرها توقيع بروتوكول اتفاق بين دار السينمائيين الموريتانيين واتحاد مهن السينمائيين في مصر، يوم 11 فبراير المنصرم، لتطوير التعاون الفني والثقافي بين البلدين، والاستفادة من الخبرة والتجربة المصرية الرائدة.

 

* ما الدعم الذي يحتاجه المبدع الموريتاني؟ وهل تعتقد أن الإنترنت قد حل بديلًا للمطبوعات الورقية في التواصل بين الأديب وقارئه؟

**المبدع الموريتاني أصبح يعيش خارج عقال المصادرة - أيًا كان نوعها، ويحتاج إلى بنية تحتية في مجالات إبداعه، من قاعات العرض السينمائي والعروض المسرحية، أو قاعات للمحاضرات والنقاشات، بالإضافة إلى توفير التقنيات الجديدة، والترجمات، وتبادل الخبرات مع الشعوب الأخرى.

 

ولا أعتقد بإمكان أن يحل الإنترنت بديلًا عن المطبوعات الورقية، ما دام هناك من يمتلكون هواية الأرشفة، وهواية اقتناء المكتبات الخاصة، والقراءة المتأنية على مقعد في حديقة عامة، أو تحت شجرة خارج المدينة، إذن لابد أن يظل للمطبوعات الورقية حضورها، سواء كانت كتبًا أم جرائد، أما الإنترنت فهو عامل سريع ومساعد بالنسبة لمن يبحثون عن أجوبة فورية لا غير.

 

الأهرام العربي