وطنيتي المستعادة/ بقلم: محمد احمد الميداح

أحد, 2014-09-07 11:32

كنت أظن بكل سذاجة أن اللامبالاة بشؤون الوطن قد امتلكتني الي الأبد و أن عهدي بمشاعر الوطنية و حب الوطن و الاعتزاز بكل ما يرفع من سمعته قد ذهبت آلي غير رجعة مع أيام الشباب الحالمة.

 

و لا اخفي عنكم أني أصبحت منذ بعض الوقت أسخر في داخلي من أي متحمس أسمعه في الإذاعة أو علي الشاشة الصغيرة يردد عبارات "الولاء للوطن" و "التضحية بالغالي و النفيس من اجل الدفاع عنه" و ما يصاحب ذلك عادة من حركات الاندفاع و الحماس.

 

و هكذا تساقطت الشعارات التالية من قاموسي الفكري، الواحدة تلو الآخري، : التضحية - الانضباط - نكران الذات - الأولوية لعالم الريف - الرجل المناسب في المكان المناسب، الخ.

 

كنت في بداية الأمر أثور كلما رأيت العلم الموريتاني ممزقا فوق احد المرافق العمومية و تنتابني موجة من الإحباط اذا زرت احدي المدارس لغاية تفتيش معلميها و تبين لي ان تلاميذها لا يحفظون النشيد الوطني كما أنزل أو لا يؤدونه كما ينبغي...

 

و حاولت مرات عديدة ان استعيد "وطنيتي" عبر القراءة و البحث و التفكير و لكن النقص ظل يرافقني في حلي و ترحالي حتي استسلمت للواقع.

 

و قبل ثلاثة ايام فقط، حضرت في مقر الجامعة العربية تسليم رئاسة الدورة الحالية الي موريتانيا...

 

كانت القاعة مليئة بالوقود العربية و كان الجو رسميا الي حد التجلد...

 

و ما ان دعي المندوب الدائم لبلادي ليأخذ مكانه علي المنصة حتي كدت أطير فخرا و اعتزازا و غمرتني شحنة لا وصف لها من حب الإنتماء الي الجمهورية الاسلامية الموريتانية.

 

و فجأة، ظهر أمامي علمنا الوطني بألوانه البراقة و كأن سحابة مزمنة كانت تحجب عني جماله الذي يجعله، في نظري و في تلك اللحظة بالذات، سيد أعلام الدول العربية بلا منازع...

 

و تضاعف شعوري بالاعتزاز لما شرع مندوب بلادي، السفير ودادي ولد سيدى هيبه، في إلقاء خطابه الجميل و شاهدت سفراء الدول العربية و كأن علي رؤوسهم الطير... لقد كان خطاب الجمهورية الاسلامية الموريتانية معبرا و خاليا من الهفوات النحوية و الصرفية التي أصبحت سمة ملازمة لخطابات المسؤولين العرب...

 

و شرفني اكثر من ذلك ان السفير الموريتاني أدار الجلسة الافتتاحية التي حضرتها بمهنية عالية و بقوة شخصية ألزمت مناديب الدول العربية المتنافرة ان يحترم بعضهم البعض و ان يتقيدوا بالنقاط المدرجة في جدول الأعمال.

 

في تلك اللحظات اخيرا، أحسست بأني استعيد روحي الوطنية...

 

و ألتفت الي جانبي، فإذا بعمال سفارتنا بالقاهرة و هم يتميزون عن غيرهم بقوة الحضور و السكينة و الوقار و يظهرون انهم يمثلون بلدا له مكانة لائقة علي المستوي الدولي.

 

فما كان مني إلا ان حمدت الله علي استرجاعي لمشاعري الوطنية و صرت أتجول في بهو الجامعة الفسيح و اقدم نفسي لكل من لقيته قائلا بصوت الواثق من صفته : فلان بن فلان، من وفد الجمهورية الاسلامية الموريتانية !

 

محمد احمد الميداح