لو يسمح العقيد / أحمد ولد الوديعة

أحد, 2014-09-28 13:56

مع أني أمضيت سبعة  عشر يوما  سجينا قبالة مكتبه أيام كان مديرا عاما للأمن الوطني، وبرغم أني كنت ضمن فريق من الإعلاميين حظي بحوار على هامش  عشاء معه في القصر الرمادي خلال المرحلة  الانتقالية الأولى  يمكنني  القول إنني لا أعرف  العقيد اعل ولد محمد فال عن قرب ولا أحتفظ له بالكثير من الود، فالصورة الراسخة في ذهني وفي أذهان جيل من  الشباب مثلي دلف إلى الحياة العامة في سنوات الجمر  الطائعية  صورة قاتمة جدا لعقيد ظل لعشرين سنة في قلب كلما عرفته الحقبة الطائعية من جرائم بحق الوطن؛ وحدته وهويته وثروته، وحرية أهله، وسمعته وصورته.

 

 هذا الصباح وفي طريقي إلى  المكتب استمعت لجزء من حوار مطول مع العقيد  الرئيس عبر أثير إذاعة نواكشوط الحرة، كان الحوار بالفرنسية وهو ما أعطاه فرصة أفضل  للتعبير عن مواقفه فقد خانته اللغة كثيرا في حوارات سابقة بالحسانية، وقد أدار الحوار الزميل خطاري وهو صحفي مؤدب وغير مشاكس  مما وفر ظرفا رئاسيا لائقا بالسيد الرئيس ليسهب في شرح ما يريد والتعبير عنه بأكثر من طريقة.

 

 حين وصلت للمكتب لم يكن الحوار قد اكتمل  فالزحمة اليوم لم تكن قوية ربما لأن سكان نواكشوط شرعوا فعليا في عطلة  الأحد المفترض أن تبدأ عمليا الأسبوع  القادم، أو لأن أجواء الخريف  الساحرة ما زالت تجذب لها الغالبية العظمى من  الناس تاركة  المدينة لثلة من سجناء الحق العام يبدو أني أنا و العقيد وآخرين في صدارتهم.

 

 أثار لدي المقطع لذي استمعت له من المقابلة ملاحظات وأسئلة سريعة أرتأيت طرحها في  الفضاء العام  خاصة أن فخامته ليس متحمسا بما فيه الكفاية لمقابلتي في برنامج تلفزيوني مباشر.

 

 -  مع أن الرئيس اعل قوي النقد للنظام الحالي وللرئيس محمد ولد عبد العزيز لكن  منطلقاتهما ومقارباتهما تكاد تكون متطابقة  في الكثير من المجالات فهو خلال المقابلة  التي استمعت لها  هذا الصباح يكرر ذات الخطاب التسفيهي للماضي ، ويعتبر أن الجيش هو الضامن الوحيد لاستمرار النظام السياسي فهو المؤسسة  الوحيدة المؤتمنة على كل شيئ القادرة على كل شيئ وهي الإنجاز الوحيد لحكم  المختار ولمن لحقه من الحكام.

 

 إن خطاب تسفيه  الماضي، أو ما  يمكن أن نسميه  خطاب أهل النار " كلما دخلت أمة لعنت أختها" المعتمد عسكريا لدينا هو خطاب مدمر ومستخف بالناس، وفي كل  الأحوال فهو خطاب  لايمكن الاستماع له من عقيد كان ركنا أساسيا في الأنظمة التي يسفه و يعتبر الانقلاب عليها 2005 ضرورة لإنقاذ موريتانيا من الانهيار بعد أن أصبحت مثل بقالة فارغة إلا من بعض  المواد منتهية الصلاحية كما هو المثال الشهير للعقيد اعل أيام  الرئاسة، أتذكر أني كنت أود أن أسأله يومها إن كان متأكدا أن مستقبل البقالة سيكون أفضل في ظل كون " التغيير" الذي حصل خرج من عمق تلك  المواد المنتهية الصلاحية.

 

 إن حديث العقيد والجنرال عن الماضي على أساس أنه منفصل عنهما وهما الغارقان حد النياشين في كل تفاصيله حديث يحمل شحنة غير قليلة من احتقار الرأي العام لو أن أيا منهما ظفر بمستشار أمين لكان مسار حديثه عن الماضي مختلفا عما هو عليه الآن.

 

 - يطمح الرئيس اعل أن يكون جزء أساسيا من مستقبل موريتانيا تماما كما كان من ماضيها وهذا طموح واضح ومشروع و مؤسس على رؤية وتشخيص ذكيين للمرحلة.

 

ومع أن تحقق أماني و أحلام  العقيد المستقبلية ليس مرهونا بقبول أو تقبل ناس مثلي تماما كما كانت مشاريعه و أمانيه و أحلامه  في  السابق بمعزل عنا بل رغم أنوفنا إن أردنا أن نسمي  الأمور باللغة الواضحة  المباشرة التي يتفنن العقيد اليوم في استخدامها ضد رفيق سلاحه وشريك  أحلامه بل ابنه المدلل  الجنرال محمد ولد عبد العزيز.

 

 مع ذلك سأتطوع للعقيد بما أعتقد أنه خارطة طريق  لإقناعنا  -  إن كان معنيا بذلك – أنه جزء من  الحل وليس جزء أصيلا وجوهريا من  المشكل:

 

   -  نحتاج أن تتوقف عن استغفالنا والاستخفاف بعقولنا  وتقديم نفسك على أنك منقذ قدم من المريخ؛ نحتاج أن تعترف لنا أولا أنك ركن ركين من أركان نظام ولد الطائع و حينها سنناقش معك ما اقترفت أنت ورئيسك وكبير حرس رئيسك من جرائم بحقنا، سيكون من الوارد أن يعفو الشعب عنكم إن اعترفتم و اعتذرتم وتبتم، تماما كما سيكون من الطبيعي والعادل والقانوني أن يحاسبكم ويعاقبكم ويسجنكم جراء ما قد يثبت عليكم من جرائم بحق  الوطن ووحدته وثروته وحرية أهله.

 

 - نحتاج أن نسمع منكم كلاما صريحا عن وحدة هذا  البلد وحرية أهله فالذاكرة تحتفظ لكم بمواقف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها قاتمة بخصوص الوحدة  الوطنية والموقف من  الرق، نريد أن نعرف موقفكم من الجرائم  التي قام بها نظامكم – أعني نظام ولد الطائع – بحق مواطنين موريتانيين نهاية الثمانينات وبداية التسعينات قتلا وتهجيرا وتشريدا، هل ما زلتم تنكرونها وتعتبرون ما حدث أمرا عاديا بل و ربما ضروريا.

 

- ونحتاج  منكم – سيدي  الرئيس – اعتذارا لا لبس فيه عن موقفكم  المصر على خطيئة  التطبيع مع الكيان الصهيوني حتى بعد أن تخلى عنه عتاته وأعلن كبير الحرس – مكرها لابطلا – تجميد تلك العلاقة وقطعها – في الظاهر على  الأقل- وفي حال استمر إصراركم على  الخطيئة، وتفضيلكم الوقوف في الجانب الصهيوني من  التاريخ فلن نحتاج لاعتذار لكم عن مقاومتكم بما نقاوم به المطبعين ومواجهتكم بما نواجه به المتصهينين.

 

- نحتاج أن نسمع منكم حديثا أكثر وضوحا عما حصل من قمع غير يسير بحق المعارضين أيام كنتم  المدير العام للأمن الوطني، حيث حظرت أحزاب وصحف واعتقل سياسيون ونقابيون وإعلاميون خارج  القانون، ولفقت لهم تهم من نفس النوع  الذي فهمت هذا الصباح  أنكم منزعجون منه  عند سؤالكم عن علاقتكم  عن قصة السفينة التي يحاول خصومكم في النظام ربطكم بها رغم غباء تلك  المحاولة، أعتقد أن وقوعكم   اليوم ضحية "  غباء" شائعات السلطة كما سميتموها ينبغي أن يدفعكم " لحركة تصحيحية" تعتذرون فيها عما كان نفس  الجهاز يقوم به بحق معارضين كثر تمت شيطنتهم  أيام كنتم الآمر الناهي في جهاز الكذب  العمومي، عفوا الأمن  العمومي.

 

  ختاما أود أن أعبر عن تقدير لازم للرجل في قوته في  الدفاع عن ما يعتبره براءة كاملة له من تهم الفساد المالي، وتحديه الصارخ للسلطة في أن تثبت تورطا له من أي نوع في تلك الملفات التي تلوح بها أو تصرح، وهنا أظن أن العقيد يلعب على نقطة حساسة لدى شريك مشاريعه السابق الجنرال عزيز  المدرك صعوبة فتح ملفات الفساد تلك دون أن يَشرَقَ من غبارها، وهو ما يرغمه – مع  اعتبارات أخرى ربما – على غض الطرف و عض اللسان ففي العين ما يكفي من القذي وفي الفم من المياه المالحة والعذبة وحتى الملوثة ما يكفي.