أخطر خطأ مطبعي في التاريخ؛ موضوع كتاب جديد للشيخ المحفوظ بن بيّه

-A A +A
ثلاثاء, 2020-11-17 23:50

 في إطار التفكيك المعرفى لقواعد التطرف الديني، صدر فى القاهرة كتاب من تأليف “الشيخ المحفوظ بن بيّه” حمل عنوان: “ماردين.. ابن تيمية وقتل السادات”، من إصدارات مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية CCSS 2020 ويقع في 150صفحة مبوبة ضمن سبعة فصول، جاءت عناوينها على النحو التالي:

الفصل الأول “سور الأزبكية.. من هنا نبدأ”،

الفصل الثاني “السلاح من دون عقل.. دماء على المنصة”،

الفصل الثالث “وراء البحار.. البحث عن سلام”،

الفصل الرابع “الطريق إلى ماردين.. الفكرة والحركة”،

الفصل الخامس “هنا ماردين.. قراءة في مخطوطة”،

الفصل السادس “كلمة قاتلة.. اللفظ الذي فتح أبواب الدم”،

الفصل السابع “ما بعد ماردين.. استعادة الأمل”.

ثم جاءت خاتمة الكتاب بعنوان “نهاية غارة.. بداية غارة جديدة”.

يعرض الشيخ المحفوظ بن بيّه مؤلف الكتاب لعملية التزييف التي وقعت ذات يوم، حيث جرى تحريف فتوى الشيخ ابن تيمية ليستفيد منها الإرهابيون، ويستندون إليها في التغطية الشرعية على سلوكهم الإجرامي. كانت فتوى الشيخ ابن تيمية “يُعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه”، لكن المتطرفين قاموا بتحريفها إلى “يُقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه”.

وهو الغطاء الذي وصفه المؤتمر الذي عقده الشيخ عبد الله بن بيّه لتصحيح الفتوى بأنه أكبر خطأ مطبعي في التاريخ.

وجاء في مقدمة الكتاب بتوقيع مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية بعنوان “مؤتمر ماردين.. نقد النقد”: يأتي هذا العمل للأستاذ “الشيخ المحفوظ بن بيّه” ضمن جهود متميزة يقوم عليها علماء ودعاة وباحثون، كما ينهض عليها ساسة وحكومات ومؤسسات.. لأجل هدف واحد: ألَّا يصبح المسلمون ضدّ المسلمين، وألَّا يصير المسلمون ضدّ العالم. لطالما كانت حركات الإسلام السياسي منذ “فتنة عثمان” وحتى اليوم هى أكبر عدو للدين والدنيا، ولطالما كانت هى معوَل الإرهاق والإجهاد..

ثم التداعي والانهيار لدول الخلافة وممالك المسلمين. كان يمكن للحضارة الإسلامية أن تمضي في مركزها المرموق وسيادتها المعرفيّة قرنًا وراء قرن، وعقدًا وراء عقد.

لكن حرب الاستنزاف العسكرية والفكرية التي قادها الخوارج القدامى وصولًا إلى الخوارج الجدد.. كانت وراء الانشغال الدائم بمقاومة الفِتن والانقلابات وموجات الخروج. لا يوجد ذلك التنظيم المُحكم الذي يمكن أن نطلق عليه الخوارج، كما لا توجد بطاقات هوية، أو ترتيب عضوية يشير إلى هذا الخارجي أو ذاك.

ولم يعد العلماء منشغلين بتعقب جماعاتهم وحركاتهم بقدر ما صاروا يتعقبون أفكارهم وآراءهم، ليصبح القول والرأى كما الفعل والسلوك.. دالًّا على صاحبه.

لقد شكَّل هؤلاء.. وعلى امتداد مساحتهم من شبه القارة الهندية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية.. تحالفًا للتكفير والتبديع والتفسيق. ولقد نال من تكفيرهم أفاضل المسلمين.. من أعاظم الصحابة إلى الصالحين المعاصرين. إنّ خطورة “الخوارج المعاصرين” هى أضعاف أجدادهم التكفيريين، ذلك أن الأجداد كانوا ينهشون في دولة قوية وحضارة ثريّة، وأمّا خوراج اليوم.. فإنهم ينهشون في جسد منهك بلا حراك، ويغترفون من دماء فقراء وضعفاء أصابهم الوهن، وتمكّن منهم الجوع والخوف.

من أفغانستان إلى نيجيريا، ومن العراق إلى الصومال.. يلتهم الخوارج فرائس بائسة.. أصابها الفقر والمرض.. وَهنًّا على وهن.

ولقد كان من نعم الله على الأمة أن جعل لها باستمرار من ينبِّهون الناس، ويرفعون الالتباس، أولئك الذين يفكرون بحزم ويعملون بعزم، ولا ينفكّون حتى ينالوا ما يقصدون.. على نحو ما قال الكواكبي.

إن واحدًا من هؤلاء هو داعية السلام العالمي العلّامة الشيخ عبد الله بن بيّه رئيس المجلس الأعلى للإفتاء بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الفيلسوف الإسلامي الذي أوجز مشروعه الإنساني في مقولةٍ خالدة: يجب إعلان الحرب على الحرب.. حتى تكون النتيجة سِلمًا على سلم. في هذا العمل – الذي بين أيدينا – يروي الشيخ المحفوظ بن بيّه نجل داعية السلام العالمي، السيرة الفكرية لواحدٍ من أهم مؤتمرات الفكر الإسلامي، وهو مؤتمر ماردين في تركيا.

إنّه المؤتمر الذي جرى فيه – لأول مرة – الكشف عن تزييف المتطرفين لأقوالٍ للشيخ ابن تيمية – رحمه الله – لم يقل بها، وهو المؤتمر الذي شكّل علامةً فارقة في الفكر المعاصر.

إن كلمةً واحدة جرى تبديلها في نصٍّ لابن تيمية، قد أدّت إلى وضع غطاءٍ مزيف لتحالف المجرمين والإرهابيين. ولقد جرى كشف الغطاء، وإعادة النص إلى ما كان عليه، وهو ما يعني إلغاء الشرعية الزائفة التي التحفَ بها خوارج القرن الحادي والعشرين.

يمثِّل هذا العمل الذي ينشره مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية – ضمن سلسلة “قضايا وآراء” – أول جهد تفصيلي يعرض مقدمات ووقائع ونتائج مؤتمر ماردين التاريخي. وهو إذ يروي الطريق إلى ماردين، والطريق من ماردين..

فهو يستخدم أسلوبًا أدبيًا رائقًا، يمزج بين الذات والموضوع.. في بحث وعرض مادةً جادّة صلبة.

إن مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية الذي يعتزّ بتقديم هذا العمل المهم للأستاذ “الشيخ المحفوظ بن بيّه”، فإنَّه يرى أن مواجهة الكلمة بالكلمة، والمصطلح بالمصطلح، والفتوى بالفتوى.. هو أمرٌ لازمٌ وواجبٌ على المجتمع المعرفي الإسلامي أن يواجه تحالف السفهاء من الناس، أولئك الذين ينقبون في التراث الإسلامي.. ركضًا وراء كل ردئ وقبيح، وإزاحةً لكل عظيمٍ وثمين.

وفي قولةٍ واحدة: تحويل فعالية ماردين من “مؤتمر” إلى “نموذج” ومن “محطة” إلى “طريق”.

لقد كان مؤتمر ماردين قائمًا على المعرفة الشرعية والتاريخية، وعلى فقه المصلحة وتحقيق المقاصد.. وهو ما يجعل عماد هذا المؤتمر التاريخي هو “المعرفة” و”التسامح” معًا، أو ذلك “التسامح” القائم على منظومةٍ فكريةٍ كاملة.. من العلم الشرعي إلى السياق التاريخي إلى الطرح الواقعي.

سيبقى المتطرفون يقاتلون المسلمين باسم “فتوى ماردين”، ويجب على العلماء ألّا ينسوا في فيض عطائهم استمرار المواجهة بـ”مؤتمر ماردين”.