العلامة بن بيّه: مقامات للتدرج نحو الوعي بالمشترك الإنساني

-A A +A
ثلاثاء, 2022-08-30 17:16
محمد يحيى أشفاغه

يتأسس المشروع الفكري للعلامة الشيخ عبد الله بن بيه على جملة من القيم الأخلاقية الكبرى التي نجدها مبثوثة في ثنايا مؤلفاته وحاضرة في خطاباته وفتاويه، لأداء دورها الوظيفي في بنية النسق العام لفكر الشيخ. 

وقد أشار الشيخ بن بيّه في أكثر من مناسبة إلى أن سؤال الأخلاق يُعد من أكثر أسئلة عصرنا إلحاحا، داعيا إلى التصدي لتحدياته باستعادة الضمير الأخلاقي للإنسانية، بشكل يعيد الفاعلية لقيم الفضيلة المتمثلة في الرحمة والرأفة والإيثار والتضامن ومساعدة المحتاج من الفقراء والعاجزين دون التفات إلى عرقهم أو دينهم أو أصولهم الجغرافية.

ويؤكد الشيخ أن الحل يتمثل في الارتقاء من الحق إلى الفضيلة، إذ أن التعامل انطلاقا من مبدأ الحقوق فقط يقتضي الاقتصار على منح الآخر ما هو عائد له بالأصل، أو كفِّ الأذى عنه، والامتناع عن التعدي عليه، بينما التعامل انطلاقا من الفضائل يتضمن معنى المكارمة والإحسان بوصفه بذلا في غير مقابل وتنازلا للآخر عما ليس له بحق.

ويتفق الشيخ بن بيه مع التصور النيتشوي الذي يرى أن الحضارات تمرض وأن الفلاسفة هم أطباؤها، ويدعو إلى علاج حضارتنا المريضة بإيلاء المزيد من الاهتمام بالوظائف الأساسية للمنظومة الأخلاقية، متمثلة في ما يُطلق عليه في مقاصد الشريعة الضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والنسل (العائلة) والمال (الملكية).

ويمكن للعين الفاحصة أن تجد في بعض القيم المؤسسة لمشروع الشيخ بن بية، ما يشبه مقامات التدرج نحو الوعي بالمشترك الإنساني، فتقود "قيمة/مقام" الصبر إلى إمكان تحقق "الرحمة" التي تفتح الباب أمام فعل "الحوار"، فإن تخلله التفهم ساد "العدل" وعمت "المحبة" ثم "الإيثار" حتى نصل إلى قيمة القيم المتمثلة في "التسامح" الذي بفضله يتحقق الوعي بالمشترك الإنساني.ويُعد "التسامح" قيمة مركزية وثيمة حاضرة في المشروع الفكري للشيخ، باعتباره مفهوما وظيفيا يهدف إلى "تحييد التأثير السلبي للاختلاف في المعتقد والاختلاف الجبلي في الآراء والرؤى"، ويؤسس لما يطلق عليه الشيخ التعددية الإيجابية، ذلك أن التسامح يرفع التعارض بين الإيمان والتنوع، ويفتح المجال أمام قبول الآخر بوصفه أنا مماثلة.

وفي هذا الصدد، يرفض الشيخ الرؤية التي تقدمها الفلسفة الغربية لعلاقة الأنا بالآخر، مقدما تصورا بديلا يشمل الاشكاليات الوجودية والمعرفية والقيمية التي يطرحها مفهوم "الآخر".

إن الآخر عند الشيخ بن بيه، هو ذات ماثلة أمام الأنا ومماثلة لها في نفس الوقت، دون أن يجلب وجودها صراعا حتميا مع الأنا كما لدى هيغل، أو تسلبها الحرية والكمال الأصليين باعتبارها الجحيم حسب الطرح الذي يقدمه جان بول سارتر، كما أن الآخر وفق التصور الجديد لن ينظر إليه باعتباره تهديدا لهوية وتميز الأنا، كما يذهب إلى ذلك مارتن هايدغر.