محاكمة ولد عبد العزيز ... ومضات سياسية  

-A A +A
اثنين, 2023-01-30 10:11
 إسلمو أحمد سالم

محاكمة تاريخية بكل المقاييس،  وحدث كبير لم تشهده موريتانيا منذ الاستقلال ، حيث يقف أمام المحكمة رئيس جمهورية سابق  ، صاحب انقلاب عسكري و فترتي حكم انتخابي،  و أحد عشر مسؤولا ساميا أو مقربا منه ، على مسمع و مرأى من أركان سلطانه، و تقدم ضدهم عريضة اتهام من 9000 ورقة ، تحتوي على كم هائل من الأسئلة و الأدلة و القرائن ، و سيمر على المحكمة عشرات الشهود الذين قد ينضاف بعضهم إلى دائرة الاتهام، و قد تستمر المحاكمة لعدة شهور . 

المحاكمة  تفتح الباب على مصراعيه أمام تحول سياسي ضخم ، و تشي بتصميم و إرادة من السلطة على تغيير أنماط ممارسة السياسة،  و إصرارها على التطبيق الكامل لعملية فصل السلطات،  انطلاقا من عدم تدخلها في عمل اللجنة البرلمانية التي تولت التحقيق في ملف العشرية،  و انتهاء بعدم تدخلها في ملف المحاكمة التي بدأت هذه الأيام.

أعتقد أن المحاكمة ضربت في الصميم العديد من الصور السوداوية التي حاول بعضهم إلصاقها بالنظام ، من ضعف بنيوي ، و عدم جدية في عملية محاربة الفساد ، و هزلية محاكمة المفسدين .

لكنني أرى،  على مستوى الواقع التنفيذي،   أن ما نراه من جدية في تطبيق برنامج الرئيس الاصلاحي،  قد ظهر كممارسة في حركة الرئيس نفسه دون غيره ، و قد تجلى ذلك في العديد في التصريحات و العمل الميداني ،  فيما ظل العدد الأكبر من وزرائه  خارج الحلبة يعيش نفس النمطية التي خبرها الناس خلال التجارب السابقة ، و قد أظهرت نشاطاتهم و تصريحاتهم عدم قدرتهم على مواكبة المرحلة ، و ضعف أدائهم المهني و السياسي،  بل كشف في بعض الأحيان بساطة مستويات بعضهم الفكرية.

كما أن المرحلة أظهرت  الجناح السياسي للسلطة التنفيذية المتمثل في حزب "الإنصاف" ، رغم محاولات إصلاحه و رغبة رئيس الجمهورية في تحويله إلى مؤسسة قوية، أنه ظل حبيس تأثير نفس الأوركسترا التي تحكمت في إنشائه و سيطرت على هياكله خلال العشرية  .

أعتقد أن المحاكمة ينبغي أن تؤسس،  واقعيا و نفسيا ، لمرحلة جديدة من الممارسة السياسية و التنفيذية ، أساسها الديمقراطية و التغيير البناء و التخلص من الأنماط و القوالب السياسية،  و يمكن أن يتلخص ذلك في ما يلي :

- انتهاز فرصة الانتخابات التشريعية و المحلية لمسح الطاولة، من خلال ترشيحات حزب الإنصاف،  بكل المنتخبين  الذين يمثلون مرحلة العشرية و عقليتها ، و استبدالهم بطبقة سياسية جديدة أكثر نقاء و أقل تحجرا. 

- اختيار حكومة مقنعة من الكوادر التكنوقراط النظيفة، عقب الانتخابات ، لخوض غمار التنمية و مباشرة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية قبيل الانتخابات الرئاسية .

- إعادة هيكلة كل القطاعات بطريقة ترشد في الموارد البشرية و الاقتصادية ، و القضاء على البنى المنهكة للميزانية التي ليست لها مردودية اقتصادية أو اجتماعية .

- توجيه فائض الميزانية إلى التنمية المستديمة التي تنطلق من تكوين الإنسان و تقديمه كأفضل أداة للتنمية ، و ذلك بإصلاح التعليم و الشؤون الاجتماعية ، و تعميم الخدمات الصحية ، و خدمات الماء و الكهرباء و الاتصال ، و التركيز على ضرورة مواكبة ذلك ببرامج اقتصادية محلية مدرة للدخل في المناطق المستهدفة .

- تفعيل هيئات الرقابة و التفتيش لمحاربة الفساد و التطبيق الصارم للقوانين في هذا المجال،  و تفعيل دور منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا المجال .

- تفعيل دور مؤسسة المعارضة، و دور الصحافة ، و فتح الاستثمار في مجال الإعلام أمام الجميع ، و تجشيع دوره الرقابي، بغية المساهمة في كشف الفساد و متابعة أداء الحكومات .

 إسلمو أحمد سالم