تسييس النصرة.. "النصر بالإساءة"/ بقلم : محمد عبد الله لحبيب

اثنين, 2023-07-24 01:43

هل ناقل الإساءة مسيء؟ إذا كان الجواب "لا" فإن النائب الموقر قد نجا من أن يصنف مسيئا، وإذا كان الجواب "نعم" فإن على البرلمان رفع الحصانة وتقديمه للعدالة.

طبعا أتمنى أن يكون الجواب بلا، لأن الجناب النبوي أقدس عندي من تسجيل النقاط السياسية، وهو خارج دائرة الخطاب السياسي.

لكن هل يغير كون الفعل غير مجرم شرعا، أو قانونا، أو عرفا، من طبيعة هذا الفعل؟ 

بتعبير أوضح؛ هل كون نقل الإساءة غير مجرم قانونا أو شرعا، ينفي كونه إساءة؟ عني شخصيا لقد تأذيت من مضمون تصريح النائب محمد بوي لأنه نقل إلي ما كرهت أن أعرفه وتجنبت الاطلاع عليه، لما فيه من أذى نفسي لا أتحمله.

نعرف أن كثيرا من الشعراء هجوا النبي صلى الله عليه وسلم، تبت ألسنتهم، لكن لا أحد نقل ذلك الكلام على سبيل الاعتبار ولا على سبيل الاستنكار. نقل القرآن بعض ذلك تعريضا، مثل قوله تعالى "إن شانئك هو الأبتر" مما يفهم منه طبيعة قول الشانئ، خسئ. ومع ذلك لا أحد رواه، ولا أحد تكلم به.

ماتت تلك الإساءات، ولم تتأذ بها نفوس المسلمين، ولم تحفظ لهم، وقد عوقب بعض أصحابها، قتلوا، أو نفوا، كان بإمكان الإساءة المنسوبة للطالبة أن تموت من حيث محتواها، مع سير القضية في مساق العدالة، حتى تنال الحكم المناسب، لكن النائب آذى مشاعر المسلمين، وعمم محتوى الإساءة، وخلده في مداخلة بالصوت والصورة يتداولها الناس لفترة غير محدودة.

كانت الإساءة مكتوبة بخط رديء، وتداولها البعض بصورة محدودة، وحتى لو وصلت إلى أقصى مستويات الانتشار فإن كثيرين لا يستطيعون أن يقرؤوها، أما وقد وفر منها النائب نسخة مرئية مسموعة، محلاة ببهارات الخطابة السياسية، معطرة بأحماض تسجيل المواقف والنقاط، مغلفة في ثوب الدفاع عن خير البرية عليه الصلاة والسلام، وألقاها في بث مباشر منقول على الهواء، في لحظة شدت فيها العيون إلى المنبر الذي يتحدث منه، فهو من نشرها!.

لقد اختار النائب محمد بوي بحماس منقطع النظير أن يمنح الإساءة إلى الجناب النبوي مدى انتشار لم يحلم به من لقنوا الفتاة الغريرة مفردات الإساءة، ولم تحلم به وهي تودع إساءتها ورقة امتحان من المفترض أن يطلع عليها اثنان أو ثلاثة من المصححين.

أدرك أن النائب محمد بوي قد لا يكون وعى هذا المعنى حين حضر مداخلته المسيئة، وأدرك أن توقعه مستوى حماس البعض لها أعماه عن رؤية المنحى السيئ فيها، ومع ذلك لا يمكن أن يلتمس له عذر، فهو خطيب مفوه يدرك مواقع كلامه. 

مشكلة النائب أنه حاول تسييس نصرة المصطفى الله عليه وسلم، فنحا منحى خاطئا أضاف إلى الإساءة إساءة. لم تشغله أثناء التحضير للمداخلة فكرة النصرة بقدرما شغله تسجيل نقطة ضد زملائه من الأغلبية، فجاء بالإساءة مضاعفة من حيث أراد النصرة، وهذا أحد أدواء الشعبوية التي يريد صاحبها تشييد بناء فيهزمه على من فيه.

إنها تشبه أحيانا "وجه الجماعة" الذي يخرج تصرفات الإنسان عن طورها، فيجعله أضحوكة في حين يحاول أن يكون مضحكا. يجعله مسيئا وهو يحاول أن يكون نصيرا. على النائب محمد بوي أن يعتذر لجماهير النصرة ولعموم المسلمين وللبرلمان فما فعله إساءة بالغة صريحة مشهود عليها، سواء جرمها القانون أم لم يجرمها.